حين تغترب تشتاق لكل شئ فالغربة تأخذك في رحلة تغير كل الأمور

فتصبح أمك مجرد صوت مبحوح على سماعة الهاتف في مكالمة





صوتية تأتيك من الطرف الآخر من الدنيا ،تضطر فيها لأن تطمأنها



عن حالك وتخبرها أنك بأتم خير وأنت تكتم صوت النحيبٌ في حنجرتك



والألم يعتصرك والدموع تنساب من عينيكأما باقي أهلك فيتعودون شيئا فشيئا على عدم وجودك



فيكتفون بسماع أخبارك وترضى بدورك بسماع أخبارهم أما أقاربك فربماتكون قد أنسلخت عنهم منذ غربتك الأولى عنهم في



صغرك فيصبحون مجرد أسماء تحاول جاهدا أن لا تنساهاوصور



لأشخاص رأيتهم عدة مرات في حياتك فقط



وقد كنت عندبداية غربتك تلف الشوارع وتنظر إلى الوجوه



فترى عالما غريبا وتبدأ بصعوبة في إعلاء بناء لك ليحميك من ذاك الفراغ



الذي وجدت نفسك فيه ويغمرك الشوق لمدينتك وبساتينها ورائحة أزهارها ونسمة هوائها



ولقطرات المطر فيها التي كانت تبللك في صباك ولا تجد منها إلا ذكرى



تحضنك حينا وتحاول رميها احيانا أخرى لكن ليس



لترحل إلى البعيد بل لترصدك في زاوية من الزوايا



وحين تجد نفسك أحيانا بلا أحد تنظر إلى تلك البراعم الصغيرة التي كانت هدية السماء الرائعة لك فتراهاوحدها تؤنس غربتك وتحاول أن تلفها لكي يحفظها الله من الرياحالغادرة



التي تحيط بها من كل جانب وتحاول أن تسقيها بكل ما تبقي فيك من حب وقوةوكفاح



تأخذك السنين وقدأستغرقت في العمل والأهتمام ببيتك واولادك وحين تبدأ تجني ثمرة كفاحك تنظرحولك فترى


أنك تعيش بعيدا عن الحب الحقيقي فقد مرت عليك سنوات


دون أن تنعم بأهلك وكنت فيها فقط ذلك الزائر الغريب المؤقت وتتسائل أكان ذاك منك قرارا صائبا منك ؟ وفي الحقيقة هو لم يكن قرارك بل قرار



الضروف التي فرضته الضروف ورضيت به أنت بالرغم عنك وفي الخفاء تأخذك صرخة غربةإلى أهلك وأقاربك وأناسك إذ أنك تشتاق أليهم كثيرابالرغم من أنك تمتلك كل شئلكني في داخلك لاتزال ذلك الصغير الذى يفتقد محبتهم وسؤالهم



عنك واهتمامهم بك تفتقد قربهم تفتقد الذهاب ألي بيوتهم في الأعياد وأن تضمهم الى صدرك واحدا واحداوأن تنادي أخي .. أبي ..عمي تفتقد أن تعيش في بلادك حتى لو كنت في كوخ صغيرلكن فقط ، أحبتك يكونون حولك وتتسائل في صمت متى تكون العودة إلى حنين الوطن ....