لعل الصحابة هم أفضل تطبيق و تمثل لعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم، فهم الرعيل الأول و النموذج الأفضل لكافة المسلمين في جميع العصور.
ولا شك أن الغرض الأعلى من القرآن هو العلم و العمل، فبالقرآن نتعلم و نزداد علما ونصحح علمنا، و كل تعامل مع القرآن يرمي إلى أن يكون عندنا علم صحيح، عقيدة، عبادة، فقه، الخ. ولعل ما ورد في السنة الشريفة من الأجر في تلاوته إنما هو خطوة نحو فهم القرآن و العمل به.
عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه. –ناهيك عن قراءته في المسجد-
-إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأه-.
وكان ابن مسعود إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرؤوا وفسّر لهم، فقد قال صلى الله عليه و سلم : من أراد أن يأخذ القرآن غضا طريا كما أنزل فليأخذه من ابن أم عبد-ابن مسعود-، وعن الأعمش قال: مر أعرابي بعبد الله بن مسعود و هو يقرئ قوما القرآن –وعنده قوم يتعلمون القرآن- فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فسمعه ابن مسعود فقال له: يقتسمون ميراث محمد صلى الله علية و سلم.
وكان الصحابة أحرص الناس على تدبر القرآن و فهم معانيه و استيعاب أمثاله، وقد كان بعضهم يقف على الآية الليلة أو جزءا من النهار يكررون ويتأملون يحذون في ذلك حذو رسول الله صلى الله عليه و سلم:
فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم، كما يروي أبو ذر، قام ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله حتى أصبح، بها يقوم و بها يركع وبها يسجد فقال القوم لأبي ذر: أي أية هي؟ فقال: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الرحيم"
و عن القاسم بن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير يردد الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون" وهذه آخر آية نزلت من القرآن الكريم، توفي بعدها محمد صلى الله عليه و سلم بتسعة أيام. –أما "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا...." فعاش صلى الله عليه وسلم بعدها ثلاثة أشهر-.
وهذه أسماء بنت أبي بكر يحكي عنها حفيد لها أنها قرأت يوما في الصلاة سورة الطور فلما انتهت إلى قوله تعالى "فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم" أخذت تكررها و تكررها, قال: فذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت وهي مازالت تكررها.
و ما زال الصحابة ينبهون على أن الغاية من هذا كله إنما هي العمل بالقرآن الكريم: فهذا ابن مسعود جاءه رجل فقال له: علمني كلمات جوامع نوافع فقال: نعم، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، و تزول مع القرآن أينما زال، ومن جاءك بصدق من صغير أو كبير وإن كان بعيدا بغيضا فاقبله منه، ومن جاءك يكذب وإن كان حبيبا قريبا فاردده عليه.
وعن إبراهيم التيمي قال: خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة و نبيها واحد وقبلتها واحدة -فلم يهتد الى جواب مقنع- فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة: فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقراناه و علمنا فيما أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيما أنزل فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال الراوي: فزبره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال فأرسل إليه فقال: أعد عليّ ما قلت، فأعاد عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه.