الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

صرخة هاني خليفة ...أخبار وإنجازات مستشفى الطب النفسي



اكدت رئيسة قسم الطب النفسي في مستشفى الطب النفسي الدكتورة هيا المطيري انها ستعمل على ترسيخ العمل بروح الفريق الواحد اضافة الى تصويب بروتوكولات العمل وتطوير بروتوكولات العلاج النفسي.


واضافت في اول تصريح لها بعد توليها منصبها امس: ان استمرار تزايد اعداد المرضى يفرض علينا التطوير المستمر لسياسيات العلاج وحفظ حقوق المريض النفسي في المجتمع وبحث السبل الكفيلة لتعايشه مع افراد اسرته والمحيطين بشكل آمن وفعال كي يكون شريكا في منظومة المجتمع.



واوضحت د.هيا المطيري ان اول المشاريع التي ستوليها اهتماما بالغا «مشروع بيوت منتصف الطريق» الذي يعد من اهم اهداف برنامج علاج الادمان ومنع تكرار الانتكاسة وتفعيل دور الرعاية اللاحقة.


وقالت انه تم تخصيص جناح متكامل بالمستشفى لتنفيذ هذا المشروع في مرحلته الاولية وتابعت قائلة ان الهدف من هذا المشروع مساعدة المريض المدمن على الاندماج في المجتمع وان هذا المشروع يمثل تحديا هاما لسياسة القسم الجديدة فهناك عدد كبير من المدمنين والمدمنات معرضون لخطر الانتكاسة حيث يجدون صعوبة بالغة في الاندماج مع اسرهم والمجتمع بعد خروجهم.


وبرنامج العلاج سيشمل عدة مراحل تتضمن علاج الاعراض الانسحابية والمضاعفات الصحية الناتجة عن التعاطي والتقييم الشامل المتعدد التخصصات لحالة المريض ثم بناء خطة علاجية بهدف التأهيل النفسي والاجتماعي والوقاية من الانتكاسة حيث سيسمح للمريض بممارسة الانشطة العامة وتكوين مهارات والتجول داخل الاجنحة وممارسة الطبخ والتمتع بالحرية واعتبرت د.هيا المطيري هذا المشروع الذي سيطبق داخل مستشفى الطب النفسي بمثابة بيئة محمية تمثل مجتمعا مصغرا يخضع فيه المتعافي من الادمان لانظمة وقوانين تتماشى مع طبيعة وسلوكيات المجتمع.



السبت 19 يونيو 2010



احتفل بيوم الصحة النفسية العالمية

الزايد: 1500 حالة تراجع مستشفى الطب النفسي سنوياً



في احتفال خلا من المسؤولين في وزارة الصحة، قال رئيس قسم الطب النفسي د.عادل الزايد في كلمة له بالنيابة عن راعي الحفل وزير الصحة د.هلال الساير ومدير مستشفى الطب النفسي، ان عدد الحالات السنوية التي تراجع المستشفى بلغت 1500 حالة، مؤكدا ان هذه الحالات لم تشمل الحالات التي تتحدث عنها الصحافة ووسائل الاعلام في حصول البعض عليها من اجل التقاعد الطبي، ذاكرا ان قضية الـ «كارت الاحمر» وهمية ولا تتداول في المستشفى، حيث انه مصطلح خلقته الصحافة.



واضاف د.الزايد، بمناسبة الاحتفال بيوم الصحة النفسية العالمية في مبنى الطب النفسي الجديد صباح امس، انه لاول مرة يتم الاحتفال في مستشفى الطب النفسي، مما يؤكد على التعاون والتكامل بين فريق عمل الخدمة الاجتماعية في مستشفى الطب النفسي والجهود التنظيمية الرائعة من اجل الخروج بصورة مشرفة في الاحتفال، وايضا يؤكد على عدم الخجل من الطب النفسي والمرض النفسي والظهور امام وسائل الاعلام والاعلان عن تكثيف الجهود من اجل توعية الجميع بماهية المرض النفسي وكيفية التعامل معه بعيدا عما يتداول في وسائل الاعلام.



وزاد الدكتور الزايد أن دور المستشفى تقديم الخدمة الطبية النفسية للمرضى المحتاجين وهؤلاء هم الذى نبحث عنهم اليوم من خلال يوم الصحة النفسية العالمي ونحن نعمل كفريق متكامل لتقديم الخدمات الطبية للمرضى وهو خدمة الطب النفسي المجتمعي.



الأثنين 12 اكتوبر 2009



مشخصاً حالة المتهمة بحريق عرس الجهراء

د. عبدالله غلوم: الغيرة المرضية إعصار بشري يستهدف الاقتلاع والتدمير والهلاك



شخص استشاري الامراض النفسية ورئيس قسم الطب النفسي السابق في مستشفى الطب النفسي في وزارة الصحة الدكتور عبدالله غلوم، حالة الجانية المتهمة بحريق «عرس الجهراء» (ان ثبت عليها الجرم قانونيا) حالة مرضية تدعى (غيرة مرضية).

وأضاف د. غلوم ان حالة الجانية تندرج تحت الغيرة المرضية المتقدمة والتي عادة ما تؤدي إلى لهيب يحرق كل شيء وينزع منه الحب ويقضي على ثقته وينتهي به المطاف إلى غرس بذور الكراهية لكل من يقابله، مشيرا إلى ان مريض الغيرة يعتبر إعصارا بشريا هدفه ومراده الاقتلاع والتدمير والهلاك.

ولفت إلى ان الجانية تملكها شعور عبارة عن مزيج من القلق والخوف والتوتر والضيق الامر الذي أدى إلى شعورها بالاحتقار وعدم الاستقرار والحرمان من العطف والاضطهادية، وان جميع العوامل المذكورة تؤدي إلى ظهور المشاكل والمآسي والانهيارات.

وبين ان أهم ما وصلت إليه أبحاث علماء الطب النفسي وعلم النفس من نتائج هو أن النساء المتزوجات عندما كن صغيرات، تتملكهن (الغيرة المرضية) وبالتالي تحمل بعض ملامح شخصيتهن الاضطهادية والتي لديها حساسية زائدة فتجسمن الأمور ويبالغن فيها ويحملن الأشياء والكلمات والمواقف معاني بعيدة عن الحقيقة، مشيرا إلى ان هذه الفئة أكثر عرضة للاقدام على فعل الجرائم دون تفكير في العواقب.

وقال د. غلوم: انه من العسير أن يعترف إنسان ما بأنه غيور، فالغيرة شعور لا ينظر إليه أحد بارتياح حتى ولو كانت في حدود المعقول والمقبول ومع ذلك فهي ليست دائما شعورا سلبيا ما دام لم تصاحبها رغبة في الإيذاء والحقد أو الكراهية أو ربما الجريمة.

وزاد: الغيرة في الحب والعاطفة مطلوبة وضرورية ما دامت هادئة وعاقلة، لأننا عندما نحب نخاف أن نفقد الشخص الذي نحبه، ويصفها البعض بانها مطلوبة والبعض الآخر يصفها بأنها سم قاتل، لافتا إلى ان الغيرة أحيانا تقوي العلاقة وأحيانا تدمرها إذا تجاوزت الحد، والبعض يكون أكثر ميلا للغيرة بطبيعته عن البعض الآخر، مضيفا ان الشخص نفسه قد يكون غيورا في موقف ما وغير غيور في مواقف أخرى، مؤكدا انه وفي الحقيقة لابد أن نعترف بأنه ليس منا من هو كامل التكيف وشعورنا بها من حين لآخر عادي وطبيعي وكلنا عرضة للشعور بالغيرة بقدر ما.

وأشار إلى ان مرضى (الغيرة المريضة) يحاولون التمويه بالتظاهر والأنانية البالغة وقد يدفع بهم حرصهم على كتمان سرهم إلى الغيرة الشديدة التي قد تصل إلى حد العنف والعدوان، مشيرا إلى ان مرضهم يطلق عليه الغيرة التي تخرج عن نطاق السواء النفسي، وتستحيل معها الحياة في هدوء وطمأنينة.

وحول العلاج النفسي لمرض الغيرة المرضية، قال د. غلوم: ان السلوك الإنساني من الممكن تغييره أو تعديله، فالغيرة المرضية سلوك معيب ويمكن أن نخفض من حدتها الزائدة اذا عرفت أسبابها، ولابد أن تكون هناك نقطة معينة يستطيع فيها الشخص التحكم في انفعالاته وعدوانيته ووساوسه- كما انه لابد للإنسان أن يكون صريحا مع نفسه وأن تكون هذه المصارحة عن طريق الحوار الهادىء معلنا عن شكوكه الخفية، والجدية مطلوبة في الحوار مع الشخص المصاب بالغيرة المرضية، كما لابد من توفير الجو الصحي لهذا الشخص للاعتراف بغيرته، كما انه من المهم أن يبتعد الرفيق الآخر عن الأمور الاستعراضية التي تهز الشخص العادي والتي قد تثير كوامن الغيرة في الشخص الغيور فيتحول إلى شخص موتور، مؤكدا انه تبقى نظرية الغيرة المرضية مردها إلى العاطفة وليس العقل.


الخميس 20 اغسطس 2009



أكدت أن الجهات المعنية تعمل كجزر منفصلة

أخصائية الطب النفسي د. هيا المطيري لـ الوطن: مطلوب مظلة واحدة تابعة للصحة تجمع جهود مكافحة الإدمان



شددت أخصائية الطب النفسي الدكتورة هيا المطيري على ضرورة وجود مظلة موحدة تجمع كافة الجهات العاملة في مجال علاج قضية الادمان والمخدرات في المجتمع، تتبناها وزارة الصحة ويكون وزير الصحة هو امينها والمشرف عليها حفظا للجهود المبذولة لخدمة هذه القضية وحتى لا يضيع الوقت والمال سدى وتستمر الجهات تعمل كالجزر المتفرقة دون تنسيق مشترك فيما بينها، وأكدت الدكتورة المطيري في حديثها مع «الوطن» وجود خلل تشريعي في القوانين الحالية التي تتعلق بعلاج وتأهيل المدمنين، واعترفت الدكتورة هيا المطيري في حديثها ان «تسييس قضية المتحولين جنسيا» قد قتلها وهو ما تخشى حدوثه وتكراره مع قضايا المعاقين والمخدرات المطروحة على الساحة البرلمانية حاليا.

وسلطت الدكتورة هيا المطيري الضوء على الخلل الحاصل في الجانب التشريعي الذي يمس المدمنين على المخدرات بحكم متابعتها لحالات العديد ممن يقضون احكام الايداع في المركز التابع لمستشفى الطب النفسي، مؤكدا ان هناك تفاوتا ملحوظا وغير منطقي بأحكام الايداع الصادرة بحق مدمنين على الهيروين والحشيش بمدد لا علاقة لها بما تتطلبه المدد الفعلية للعلاج نظرا لعدم استشارة الطبيب المختص قبل اصدار الحكم فيسفر الواقع الى ان ايداع متعاطي الحشيش مثلا قد يكون لمدة اطول من مدمن الهيروين على الرغم من ان الثاني هو الاخطر وهو الذي يتطلب مدة اطول في الايداع.



وشددت اخصائية الطب النفسي الدكتورة هيا المطيري الى ان المرأة المدمنة تعامل بطريقة غير عادلة ومختلفة عن طريقة التعامل مع الرجل على الرغم من انها غالبا ما تكون ضحية، مشددة على ان المركز الوحيد في الكويت الذي يقدم خدماته لعلاج الادمان لا تزيد طاقته الاستيعابية على 200 سرير فقط لاغير كما انه لا يتمتع بأي استقلالية او خصوصية، وانتقدت الدكتورة المطيري بشدة بعض السياسات الخاطئة البعيدة عن المضمون العلاجي السليم التي تتبعها بعض الجهات المعنية بمكافحة المخدرات والادمان ومنها ارسال مدمنين سابقين للقيام بالوعظ الديني كجزء من العلاج، منوهة الى ان توقف المدمن عن التعاطي لا يعني تعافيه ومشيرة لضرورة ابعاد هذه الفئة تماما عن عملية اشراكهم بالعلاج عبر الوعظ الديني لحين الشفاء التام.

وانتقدت الدكتورة المطيري انفراد اعضاء مجلس الامة بالتخطيط واعداد مشاريع القوانين في الجوانب الطبية والتربوية والاقتصادية وغيرها دون استعانتهم بالمختصين من كل فئة مؤكدة ان تهميش الاستعانة بالمختصين هو الذي يؤدي دوما لصدور تشريعات قاصرة، وهو ما تخشى حدوثه في قضية قانون المعاقين التي يدور جدل بشأن تعريف الفئات المستحقة لان تنضوي تحت مظلة هذا القانون، وفيما يلي تفاصيل الحوار:


أثير اخيرا وعبر تصريحات اعضاء مجلس الامة عدة قضايا متعلقة بمجال يخص «الطب النفسي» مثل قضايا المخدرات، المعاقين، المتحولين جنسيا.

- في الواقع انا ارى بأن المجلس وأعضاءه متحمسون جدا لوضع حلول واستكمال التشريعات التي تمس هذه الفئات وهو امر يبشر بالخير.. ولنبدأ بقضية المخدرات التي اقول وبكل اسف انها منذ 2003 حتى وقت قريب لم نشاهد جهودا وحلولا جدية لقضية الادمان على المخدرات بالشكل الذي يتناسب مع التطورات العلمية في هذا المجال، على الرغم من ان عددا كبيرا من النواب ومنذ العام 2003 تتصدر برنامجهم الانتخابي بنود متعلقة بالاهتمام بمكافحة المخدرات وعلاج الادمان وتوفير البيئة التشريعية الملائمة لايجاد اساليب علمية ومعيشية واجتماعية مناسبة للتعاطي مع هذه الفئة، الواقع يشير في الكويت الى ان هناك الآلاف من المدمنين الذين يراجعوننا اليوم في مستشفى الطب النفسي، نسبة التعاطي للاسف لم تقل مطلقا كما يعتقد وإنما الذي قل هو نسبة جلب المخدرات وهذا بفضل الجهود المبذولة من الداخلية والجمارك وباقي الجهات لكن انا لا أعتقد ان مشكلتنا الحقيقية في الكويت هي جلب المخدرات ويخطئ تماما من يعتقد ذلك لان مشكلتنا الحقيقية هي كيف نقلل من نسبة المدمنين والادمان وآثاره وكيف نعالج المدمنين بشكل صحيح من خلال سياسة وطنية واضحة تحدد لكل جهة اختصاصاتها.. وهنا المشكلة.

كيف؟

- مشكلتنا في الكويت هي تداخل الاختصاصات بين جهات عديدة تهتم بقضية المخدرات ولا توجد مظلة واحدة بل كل جهة تعمل بشكل منفصل، وزارة الصحة معزولة تماما عن المشاركة في هذه القضية رغم انها في كل دول العالم تكون هي المظلة الاساسية التي تحتضن كافة الجهود وانا بحكم اشرافي على متابعة حالات عدد كبير من المدمنين الذين يترددون على مستشفى الطب النفسي للعلاج احاول ومنذ مدة تسليط الضوء على الاساليب الملائمة والتي نحتاجها في المجتمع لمعالجة هذه القضية وابذل جهودا فردية للقاء عدد من اعضاء مجلس الأمة الذين ارى انهم مهتمون وجادون في الاهتمام بقضية الادمان في الكويت لشرح ما يتطلبه الاهتمام لاحتواء هذا الموضوع.

ما السياسة العلاجية والتشريعية التي تقترحينها بحكم اطلاعك عن قرب على حالة المدمنين في الكويت والتي تطالبين بالاهتمام النيابي بها؟!

- نحتاج لمظلة واحدة تحتضن كافة الجهود المبذولة لعلاج المشكلة، على ان تكون هذه المظلة تحت الاشراف المباشر لوزارة الصحة نحتاج مجلسا اعلى تضع فيه وزارة الصحة كافة الاساسيات واسس العلاج والوقاية وتشترك جميع الجهات الحكومية الاخرى المعنية بالمخدرات بالعمل تحت مظلة هذا المجلس مثل التربية والعدل والمؤسسات الاصلاحية ووزارة الاوقاف ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للشباب والرياضة.

وماذا عن جهود اللجنة العليا الوطنية لمكافحة المخدرات؟

- اللجنة تظل جهودها محدودة ولا تنسق بين الجهات كما ان دورها توعوي فقط لا غير وهي موجودة منذ سنوات دون ان نلمس لها اثرا يذكر في معالجة القضية.

لكننا نلمس على المستوى الحكومي ومنذ سنوات اهتماما كبيرا بقضية المخدرات والادمان، ألم يسفر ذلك الاهتمام عن ايجابيات انعكست على واقع المشكلة؟

- الايجابيات التي حدثت منذ عام 2003 وحتى اليوم انه حدث تغيير في القوانين نحو العلاج وليس فقط التجريم، في السابق كان من يتعاطى المخدرات مجرماً ويذهب الى السجن، وينال احكاما طويلة يترتب عليها ما يترتب من تصدع الاسر وفقدان الوظيفة وخلافه، الان القوانين تغيرت وحدث ذلك باهتمام برلماني بلاشك في عام 2003 واثر استعانة الاعضاء بالمختصين من الصحة الذين ادلوا بدلوهم من واقع خبرتهم العلاجية في هذا المجال، ولنضرب مثالا على هذا التعديل اذ بات بامكان القريب من الدرجة الاولى ان يقدم شكوى على قريبه المتعاطي للمخدرات فيحضر الاخير للعلاج في المستشفى دون ان تتحول المسألة لقضية لها تبعات جنائية، لكن لم يخل الامر من سلبيات ايضا، فقانون الايداع للعلاج وهم الاشخاص الذين يتم ضبطهم ومن ثم يحكم عليهم بالايداع مدة من الزمن بدءاً من 3 شهور الى سنتين أو اكثر وقد تمتد لاكثر من ذلك هناك خلل في هذا القانون مثلا وهذا الخلل قد لا يلمسه فعليا المشرع أو حتى القضاة ولكننا كمختصين في علاج الحالات نلمسه بوضوح ونرى ان الامر بات لازما لتصحيح الخلل، فعندما يقود شخص سيارة ويضبط بتهمة الحيازة ويكون لديه حبة «كبتي» فإن الشخص الجالس بجانبه في السيارة حتى ولو كان فحص الدم والبول له سلبياً للمخدرات نجد انه يتم توجيه تهمة الحيازة له نظرا لوجوده في المحيط نفسه، وانا رأيت بحكم عملي الكثير من الحالات التي تم تحويلها للعلاج ولم تكن بحاجة لعلاج اساسا نظرا لكونها لا تتعاطى وانما وجدت فقط في المحيط ذاته، وهو امر غير عادل بتاتا، اضف لذلك اني لاحظت ان المرأة المتعاطية بكل اسف تعامل بطريقة غير عادلة ومختلفة عن طريقة التعامل مع الرجل، لاحظت ان المرأة تسجن اذا ضبطت، وفي الغالب تكون ضحية، زوجها او اخوها او احد افراد اسرتها هو الذي يحوز المخدرات.



لقد قابلت حالات انسانية مؤلمة، وحتى ان كانت مدمنة فعلا، غالبا ما يكون مصيرها مختلفا عن الرجل المدمن، فالرجل المدمن على ذمة القضية يعرف تماما التصرف الملائم المتماشي مع القانون بهذا الصدد، فيسارع لتوكيل محام، فيقوم بدوره بتقديم ملف إلى الطب النفسي ويثبت انه مريض ويقدم تقريراً بذلك فينظر القاضي في امكانية ايداعه بالمركز بدلاً من السجن، أما النساء فغالباً ما يكن ضحية ولا يحظين بفرصة الايداع العلاجي بالمركز، فأغلبية النساء اللواتي قابلتهن يكن من اسرة مفككة أو ذات ظروف عالية التدين، وكذلك مستوى معيشي متدن غير مطلع على ما يرتبه القانون بشأن ذلك، كما ان وضع المرأة مختلف فهي عندما تتورط بمثل هذه القضية يسارع المجتمع والعائلة الى التبرؤ منها ورفع يده عنها فتجد نفسها وحيدة لا تمتلك حتى القدرة على توكيل محام عنها وليس كما يحدث مع الرجل الذي لا يصب المجتمع او الاسرة جام غضبهم عليه بل يقفون معه ويوكلون له المحامين، فهناك فرصة له للعلاج. في حين تقبع المرأة خلف اسوار السجن، هناك ضحايا نساء يكون الزوج هو من ادخلهن وورطهن بهذه القضية، هناك جانب آخر من جوانب الخلل ايضا الا وهو التفاوت في مدة الأحكام، فمدمن الهيروين وهو مدمن حقيقي وعادة مدمن الهيروين لا يتعاطى الهيروين فقط وانما يكون مصحوبا بانواع اخرى من المخدرات هذا المدمن تفاجأ بان القاضي اصدر حكمه بالايداع العلاجي لمدة 6 شهور على الرغم من ان مدة العلاج الحقيقي كما نعرفها نحن المختصين ينبغي ان تكون اطول بكثير من هذه المدة وهذا التفاوت الصارخ بين المدة اللازمة للعلاج الفعلي ومدة الايداع العلاجي امر حاصل بدرجة كبيرة نظراً لعدم الاستعانة القضائية بآراء المختصين طبياً بعلاج حالات الادمان وهو امر غير مقبول، وأنا اتساءل على اي اساس يحدد القاضي المدة اللازمة للايداع العلاجي دون ان يستعين برأي الطبيب المختص؟!

نحن نطالب بتفعيل القانون حتى يعرض المدمن على لجنة طبية قبيل النطق بالحكم حتى لا تضيع الجهود هباء، هل لك ان تتصوري اني التقيت بحالات ايداع بسبب الحشيش قد صدرت بحقها احكام أطول مدة من أحكام مدمن الهيروين، فبعض مدمني الهيروين تصدر بحقهم احكام ايداع للعلاج لمدة 6 شهور وتكون الصدمة الكبرى ان من كانت تهمته تعاطي الحشيش ينال حكماً بالايداع لمدة سنتين! وهو امر غير مبني على الدقة ولا علاقة له برأي الطب او الطبيب المعالج وانما يبنى على نظرة القضاة التي لا تستعين بالمختصين لتحديد مدة العلاج قبيل النطق بالحكم والامر ذاته ينطبق على مدمني الكحول الذين نفاجأ بانهم نالوا احكاماً بالايداع لمدة 3 شهور! في حين ان بعضهم يكون مدمنا على الكحول لمدة تزيد على ثلاث السنوات ومن غير المعقول ان يعالج هؤلاء في ظرف 3 شهور فقط لا غير! الخلل الأكبر الذي ينبغي ان ننتبه له في الكويت ان هذه الاحكام هي احكام ايداع وليست احكام علاج فعلي، ونحن لدينا مركز واحد في الكويت يخدم الكويت بأسرها الا ان طاقته الاستيعابية لا تزيد على 200 سرير.

ومن سلبيات هذا المركز انه لا يتمتع باستقلالية ادارية بل يعتبر وحدة للادمان، كما انه لا يستوعب الحجم الفعلي للمرضى في الكويت، المرض مزمن كما تعلمين، يخرج من المستشفى بعد ان نسحب السموم من جسمه وننظف الاعراض الجانبية لينتكس خلال ايام من خروجه والعلاج لا ينبغي ان يكون بهذه الصورة بل لابد وان يكون طويلاً بحكم المحكمة، لابد وان يكون المنطوق مختلفاً ليس ايداعاً للعلاج وانما العلاج بالمستشفى، وهذا العلاج يشمل مراجعته للعيادة الخارجية بعد ان يعالج بالمستشفى، وبناء على حكم المحكمة يتعين عليه بعد الخروج مراجعة العيادة الخارجية بصفة يحدد مداها منطوق الحكم، حتى يتسنى له ممارسة حياته الطبيعية والوظيفية وتلقي العلاج والاشراف الطبي الملائم، وانا كمختصة ارى انه لابد من ايجاد مخارج قانونية تسمح بإطالة العلاج حتى نجبر المدمن على استكمال العلاج شاء ام ابى بعد خروجه دون ايداعه المركز، الاسرة للاسف لا تفهم ذلك الامر فيكون لديها توقعات بان ابنها بعد نهاية مدة الايداع بعد ستة شهور او اكثر يكون قد تعافى تماما من المخدرات وهذا غير صحيح لان المريض سرعان ما ينتكس ويحتاج إلى مدة اطول، ومن الصعب الزام المريض بالتردد على المركز بعد نهاية الايداع ولهذا لابد من التعديل القانوني لاتاحة ذلك.

وهل ايجاد مظلة موحدة للعناية والاشراف التام على قضية ادمان المخدرات في الكويت تحت رعاية وزارة الصحة من شأنه ان يعالج جانبا من الخلل؟!

- طبعا، هذا يحدث في كل دولة العالم، الصحة هي المظلة التي ينبغي ان تعمل تحتها كل الجهات المعنية بهذه القضية، الصحة لابد ان تقوم بدورها في التوعية والعلاج، نحن نرى اليوم وعاظاً من رجال الدين يزورون المدارس لالقاء محاضرة توعوية عن المخدرات وكذلك نشاهد مدمنين تائبين يقومون بذات الدور، او ليس من المفروض ان يقوم اهل الاختصاص الطبي بدورهم في التوعية من المخدرات كل هذا لن يحدث ما لم تتبن وزارة الصحة هذه القضية وتصبح مظلة لكل الجهود المبذولة في هذه القضية.

اما في الجانب التشريعي فلابد من تعديل يلزم باخذ رأي المختصين بالعلاج لتحديد المدة اللازمة للشفاء قبيل اصدار الحكم، ليس القاضي من يمكنه تحديد ذلك وانما الطبيب المختص فقط، وهو ما نتمنى ان يلاقي الاهتمام من قبل المشرع ويتبناه اعضاء مجلس الامة لوضعه على جدول اولويات المجلس.

كيف تقيمين كمختصة تلك الجهود التي تبذلها العديد من القطاعات المهتمة بالدولة لقضية المخدرات؟! ومنها جهود حكومية واخرى فردية؟!

- لا يمكننا ان نبخس حق من يعمل، لكن كل هذه الجهات تعمل على حدة وكجزر متفرقة الامر الذي يترتب عليه تشتيت الجهود، اضف لذلك ان الاطباء المختصين لايستعان بهم ويهمش دورهم بمواجهة جهات اخرى، حتى ان لجان مجلس الامة ذاتها في مثل تلك القضايا لاتفكر بالاستعانة بالمختصين عند الاطباء قبيل البت في تلك القضايا، في اجتماع لجنة الظواهر السلبية التي ناقشت قضية الادمان والمخدرات لم يتم الاستعانة بالاطباء، وسمعت انهم قابلوا كل جهة معنية على حدة مثل الجمارك والشؤون والاوقاف وغيرهم، وهي الجهات التي تعمل منذ سنوات كجزر متفرقة، ومقابلة كل منها على حدة لن يثمر شيئا على عكس مقابلتها مجتمعة ودمج كل جهودها تحت مظلة واحدة، لتوحيد الجهود وتحدي الاحتياجات بحسب مايراه المختصون.

هل هنا اخطاء وسلبيات ترتكب بفعل هذا التشتت وعدم توحيد الجهود إزاء علاج القضية؟!

- بالعفل.. الجميع يجتهد ويود ان يقدم شيئا لكن حسن النوايا لا تكون الطريق السليم دائما لحل المشكلة بل انها قد تعقد من العلاج ولاضرب لك مثالاً في الوعظ الديني او علاج الادمان دينياً كما هو حاصل عندما تقوم وزارة الاوقاف بارسال بعض الوعاظ الدينيين من المدمنين السابقين، وهذا خطأ كبير لان التوقف عن تعاطي المخدر لا يعني التعافي منه ومن الخطأ تكليف المدمنين السابقين خلال فترة وجيزة من التوقف بتقديم الوعظ الديني للمتعالجين من الادمان، ينبغي ابعادهم تماما وهذا لا ينطوي مطلقا على انكار اهمية الوعظ الديني والعلاج الديني لهذه الفئة لكن لا ينبغي ان يحدث ذلك من قبل مدمن سابق وهو ما يحدث في المؤسسات الاصلاحية او بالمركز الجديد لتأهيل المدمنين وهو مركز حديث معد ونظيف وارقى من سجون المؤسسة الاصلاحية ولقد اطلعت عليه شخصيا وتعاونت معهم في وضع سياسة التشغيل العلاجي له لكن لنا ملاحظات عليه وقد اخبرنا القائمون عليه بذلك ولم نلمس تجاوب الا وهي ان المضمون العلاجي في المركز ضعيف، التركيز فقط على الوعظ والرياضة والرحلات وامور اخرى، لكن العلاج النفسي الاساسي مضمونه ضعيف، وهناك من جانب آخر امر ايجابي الا وهو مشروع التائبين الذي يرتب العفو الاميري كل عام لمجموعة من المساجين المدمنين الذين يخرجون من السجن لحياتهم الطبيعية وتصرف لهم اعانات شهرية بعد انطباق معايير الافراج عليهم هؤلاء يلتزمون بالتردد ومتابعة العلاج، هو مشروع ايجابي لكن لا يخلو من سلبيات، ان التقيت بالعديد من المفرج عنهم والذين اعرف تماما منهم وباعترافهم الشخصي انهم بالويك اند يتعاطى المخدر الا انه يحرص تماما على تنظيف نفسه من اي اثار للمخدر قبيل تردده على الفحص الدوري الملزم به نظرا لكونه غير قادر على التوقف عند التعاطي وهذا دليل قوي على ضعف البرنامج العلاجي المقدم لهذه الفئة.

وتستطرد الدكتورة هيا المطيري قائلة: مشكلتنا الحقيقية ايضا هي في تداخل عمل اللجان الحكومية والاهلية مثلا نحن كمختصين لا ننكر جهود لجنة «بشائر الخير» او «المدمن المجهول» لكن امكاناتهم محدودة ومواردهم محدودة، لهم اسهاماتهم المميزة لكن ما في تعاون ولا مظلة كما ان هناك جهات دخيلة على القضية وصلت على الخط للتكسب واخذ الدعم المالي والتبرعات وكلها اموال لا ندري اين تذهب لدرجة اننا نوقن بان هناك اليوم من يتاجر بهذه القضية بكل اسف.

قابلت عددا من المختصين اعضاء في مجلس الامة كما علمنا لشرح وايضاح هذا القصور واقتراح السياسة العلاجية والتشريعية المطلوبة هل لمستم اهتماما بحلول وشيكة؟

- شخصيا سعيت لمقابلة عدد من اعضاء المجلس الذين توسمت فيهم خيرا للقيام بتبني القضية وايجاد الحلول الملائمة لها، شرحت لعدد منهم الامر والحلول المقترحة لكن ما يزعجنا كمختصين هو عدم الاستعانة بآرائنا وما في القضايا التي لا يمكن للنائب او المشرع ان ينفرد وحده بابداء الحلول لها، عدم الاستعانة بأهل الاختصاص تكرر في لجان عدة بمجلس الامة وازاء قضايا متعددة مثل قضايا المعاقين ولجنة شؤون المرأة وغيرها او نجد من الاعضاء من يستعينون بنا فنبدي رأينا ولكنه يسقط من حساباتهم، ونقرأ تصريحات النواب فنرى العجب العجاب وكأنهم مختصون بعلم النفس وبالتربية والاقتصاد وكل شيء لذا من الطبيعي ان تنطوي التشريعات على قصور في ظل تهميش دورنا كمختصين.

لديك ملاحظات ايضا على ما يدور بشأن قضايا المعاقين في مجلس الامة من واقع تعاملك وعلاجك لعدد من افراد هذه الفئة فهل من قصور شاب علاج هذه القضية ايضا؟

- هناك خلاف على تعريف «المعاق» بل خطأ جسيم وقع به النواب وايضا جراء عدم اهتمامهم بالرأي المختص، احد النواب الافاضل يرى ان فرط النشاط وقلة التركيز ليس باعاقة وهذا خطأ فادح جدا، ينم عن عدم معرفة كما انه رفض ان تكون صعوبات التعلم من ضمن الاعاقات وهو خطأ آخر هم يعتقدون انهم يوفرون على الدولة جراء اخراج بعض الفئات من تحت مظلة المعاقين وهذا خطأ فادح جدا، ولو اخذ برأينا كمختصين لاقترحنا عليهم امورا اخرى نعلمها بحكم التخصص والتعاطي مع هذه الحالات، ولا تخل بمبدأ العدالة ولا تتسبب في ظلم المستحقين لأن يكونوا تحت هذه المظلة، على سبيل المثال لماذا لا يكون هناك بند في القانون لاعادة تقييم الاعاقات غير الثابتة بين فترة واخرى هناك فئات من المرضى افاجأ بأنهم لا ينضوون تحت مظلة المجلس الاعلى للمعاقين على الرغم من انهم يستحقون هذه الرعاية، وهناك مرضى نفسيون ومدمنون غير قادرين على العمل بل ولم يسبق لهم العمل اساسا وهؤلاء من حقهم ان ينظر المجلس الاعلى للمعاقين بشأنهم، هناك مرضى الخرف المبكر، اذ يصاب بعض الناس بالخرف في مراحل عمرية مبكرة وهذا امر موجود وثابت طبيا، ألا يستحق هؤلاء ان يكونوا ضمن مظلة المجلس الاعلى للمعاقين؟!

في الدول كلها يعتبر هؤلاء من فئة المعاقين.. والحفاظ على المال العام لا يعني ظلم المستحق بل يمكن تحقيق ذلك باقتراحات واشتراطات معينة مثلا متابعة بعض الاعاقات غير الثابتة وفحصها كل عامين للتأكد من الحالة ومدى استمرار تمتعها بمزايا المعاقين، هناك لجان طبية لتقييم حالة بعض الافراد المرفوع عليهم قضايا حجر، وقضايا تقييم قدرته للحصول على رخصة قيادة وخلافه فلماذا لا يكون هناك تقييم مماثل للمعاق اذا كان الهدف فعلا الحفاظ على المال العام وهو امر يحقق العدالة دون مساس بالفئات المستحقة.

كمختصة ولديك اطلاع على واقع بعض المعاقين ممن لديهم بعض المشاكل النفسية بخلاف الاعاقة ويترددون على الطب النفسي للعلاج، ما مدى صحة ما يثار بشأن تعرض هذه الفئة لانتهاكات اخلاقية وجسدية، كما اثير اخيرا؟

- هذا امر مقلق بالفعل، الانحراف بهذه القضية والبعد عن جوهر مشروع قانون المعاقين والمبالغات البعيدة عن الواقع التي يرددها البعض لغايات مختلفة، انا من خلال قربي من هذه الفئة ومن اسر المعاقين بالكويت، اؤكد أن ما يذكر هو من قبيل المبالغات البعيدة تماما عن الحقيقة، ومن الصعب جدا ان تترك اسر المعاقين ابناءها لأن يكونوا ضحايا لمثل هذه الاعتداءات دون ان تعلم عنها، وانا كمختصة اؤكد ان الواقع بخلاف ذلك والمعاق ليس بهذه الصورة التي يصورها البعض، اقسم بالله ان اسر المعاقين بالكويت تبذل اهتماما ملموسا بمتابعة كافة التفاصيل الدقيقة المتعلقة باعاقة ابنائهم، انهم اعضاء فاعلون في لجان معنية بمشاكل المعاقين، وهم بالكويت بالذات ناشطون ومراقبون وسيبذلون جهدا ملموسا في رعاية اعاقة ابنائهم وهذه شهادة حق في حق هذه الاسر منا كمختصين، نلاحظ مدى التغير الحاصل في اهتمام وثقافة أي اسرة يكون قدرها طفلا معاقا، وانا متأكدة ان المعاق اذا تعرض لمثل هذا الموقف أو الاعتداء من المستحيل ألا تكتشف الاسرة ذلك، بل ان علاقة وقرب هذه الاسر من ابنائهم المعاقين قد تجعلهم يكتشفون أي انتهاك يحدث ربما حتى قبل الطبيب المعالج، لذا اتساءل أو ليس من الظلم اثارة مثل هذه المزاعم؟! وهل هي قضايا تستحق ان نشوه ونعطل قانون المعاقين؟! اقول هذا مع احترامي لكل النقاط التي اثيرت اخيرا بشأن التجاوزات الحاصلة في المجلس الاعلى للمعاقين التي لا نعترض على اثارتها ولكن لا ينبغي ان تؤثر في قضايا المعاقين وتحويل الانظار عن الاهتمام بقضية رئيسة، الى قضايا هامشية.. وخلافات..



وتستطرد الدكتورة هيا المطيري متسائلة: اتمنى ان يسأل النواب والمشرعون انفسهم سؤالا واحدا: ايهما اوفر على الدولة ان يتحول المعاق الى رعاية مؤسسية تكلف الدولة سنويا عشرات الآلاف من الدنانير أو ان ابقيه في بيته واعتني به وسط اسرته؟! التوجه العلمي الحديث في كل دول العالم يتجه الى العناية «بالراعي» بولي الامر المسؤول عن رعاية المعاق لابد أن أرعى «الراعي» لأضمن له الاستقرار حتى لا تتهور حالة المعاق بتهور وضعه الأسري.

قضية المتحولين جنسيا أثيرت بالمجلس الماضي من خلال لجنة الظواهر السلبية إلا انها كما يبدو «ماتت» في المجلس الحالي ولم يسفر طرحها عن أي علاج يذكر كيف تنظرين لذلك؟!

- قضية المتحولين جنسيا ماتت لأنها «سيست» ومن هنا كان الضرر، ولذا أنا أخشى أن تسيس أيضا قضية المعاقين وكذلك المخدرات وبالتالي يكون مصيرهم نفس مصير قضية المتحولين، فالتسييس يقضي على قضايانا دائما بكل أسف لقد كنا نطالب كمختصين بتعديل القانون، إلا أن أوضاع المتحولين جنسياً سيئة وصعبة، طالبنا بتعديل قانون المتشبهين ولكن مازال الوضع كما هو، قبيل حل مجلس الأمة السابق وصلنا خطاب من الدكتور وليد الطبطبائي عن لجنة الظواهر السلبية مخاطبا وزارة الصحة موجها للطب النفسي بالذات يطالب بحث قضية المتحولين بالتعاون مع المختصين لتحديد كيفية التعامل اللازم معها، وتعدها ثم حل المجلس وللآن لم تخاطبنا أي جهة أخرى لابداء رأينا كمختصين في نوعية التعديل الذي تحتاجه هذه الفئة بالقانون بالشكل الذي لا يمس كرامتهم ولا وضعهم الصحي والكيفية التي نعرف بها من المتشبه والمتحول والمثلي، فهناك حالات لا يمكن ان نغيرها ونعيدها إلى واقعها من خلال تجريم القانون، فهذه حالات مزمنة من الاضطراب والخلل ولابد من ايجاد مخرج لها.

القضايا التي تمس الفئات التي تراجعكم في الطب النفسي طلبا للاستشارة والعلاج كثيرة، لكن ما الفئات التي ترين بأنها ينبغي أن تكون لها الأولوية في معالجة قضايا من خلال المجلس بصفة عاجلة؟!

- المخدرات بالمرتبة الأولى، فلابد من التركيز بصفة عاجلة على المضمون العلاجي ومعالجة الخلل التشريعي حتى لا تذهب جهودنا سدى، الاعداد زادت ولم تقل، ولا ينبغي أن نخدع نفسنا، الشريحة العمرية المتضررة والتي أصبحت فريسة للمخدرات من الشباب تنبئ بالخطر الشديد، ثانيا قضايا المعاقين لانهم ليسوا بالشريحة القليلة بالمجتمع وجل ما نخشاه كمختصين هو تدهور حالاتهم كأثر لتدهور اسرهم، لابد وان يحسم امر المعاقين لكونها قضية انسانية ولا ينبغي أن تقتل بفعل تسييسها، ومن ثم قضية المتحولين جنسيا وتعديل القانون بالشكل الذي يسهم في العلاج ولا يفاقم من معاناة هذه الفئة انسانيا واجتماعيا.

كسيدة معنية بمشروع القانون المطروح بشأن الحقوق المدنية للمرأة، كيف تنظرين لهذا المشروع وما سيقدمه من دعم للأسرة بالشكل الذي قد سينعكس على استقرارها النفسي والاجتماعي؟!

- أنا مهتمة جداً بهذا المشروع وأرى أنه جداً ايجابي، لكن ما عرفته ان هناك اعتراضاً من قبل البعض على مشروع القانون لكونه يصرف مخصصات لربة البيت التي ترغب برعاية اسرتها وابنائها، وبلا شك نحن لا نشجع البطالة المقنعة ولا التكسب على حساب القانون، وهناك فئات لديها مداخيل مالية جيدة وهم بارادتهم لا يودون العمل، لذلك من الطبيعي ان لا يدخل هؤلاء تحت مظلة القانون، لكن من خلال عملي كمختصة واطلاعي على حالة العديد من الاسر ضعيفة الدخل والتي يكون معيل الاسرة فيها شخص واحد وبالغالب تكون امرأة مطلقة أو أرملة ولديها أطفال، أو ليس من الضروري تقديم العناية التشريعية الملائمة لها والتي تحقق لها الاستقرار النفسي والاجتماعي في الكويت تمنح المرأة اجازة لرعاية الامومة شهرين براتب و6 أشهر بنصف راتب وهذا ليس من العدل في شيء ففي الدول الاجنبية كما رأيت المرأة تعطي اجازة للأمومة بدءاً من الشهر السابع وقد تستمر لسنتين براتب كامل، وممكن أن تأخذ المرأة في هذه الدول اجازة لرعاية الامومة تستمر لمدة 5 سنوات في أي وقت بشرط مرور مدة معينة من العمل بالوظيفة، فلماذا لا يحدث ذلك عندنا بالكويت ولماذا يعتبر البعض هذا تكلفة على الدولة، وهل تكلفة ترك الأسرة مشتتة وفي حالة عدم استقرار جراء عمل المرأة نظراً لاحتياجها للراتب أهم وأولى من تكلفة مادية كبيرة على الدولة، أنا من خلال عملي أرى سيدات مسؤولات عن رعاية ابناء يعانون من اكتئاب، وأمراض نفسية وصعوبات تعلم ومع ذلك مضطرات للعمل نظراً لأنهن بحاجة للراتب فلماذا لا نراعي هذه الفئات؟! وننظر إلى الحالات بشيء من الموضوعية ألا يهتم المعارضون بتحقيق الأمن الاجتماعي والنفسي للأسرة الكويتية بالمجتمع؟!

صرخة هاني خليفة .... آلية التعامل مع هذه الشريحة بالمعاقين بالجهراء بالكويت

أكدت مديرة مركز الجمعية الكويتية للمعاقين بمحافظة الجهراء زينب أبو بكر السويفي ان هذه الجمعية تتدرج تحت مظلة جمعيات النفع العام التي تقوم على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة صحياً وتربوياً ونفسياً.

 
جاء ذلك خلال حوار أجرته معها «الصباح» والذي أوضحت من خلاله مدى الاهتمام المتميز الذي توليه الجمعية لشريحة المعاقين مؤكدة أن الجمعية تستقبل المعاقين الكويتية وغيرهم من الجنسيات الأخرى من دون أي مقابل مادي مضيفة ان الجمعية تسعى جاهدة لتطوير مستوى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك عن طريق المحاضرات التي تقيمها من حين لآخر والتي تتعلق بجميع مناحي الحياة حتى يستطيع المعاق التكيف مع حياته الخارجية كالأسوياء تماماً، وإليكم تفاصيل الحوار:

نستقبل جميع حالات الإعاقة في مركزنا وكل الجنسيات مرحب بها
لدينا برنامج عام للأطفال وخطط فردية لكل معاق
مشرفاتنا يتعاملن مع أولياء الأمور بمنتهى الاحترافية


<
عرفيننا بعمل جمعية المعاقين الكويتية؟
-
الجمعية تعتبر جمعية نفع عام وتقوم برعاية المعاقين من الناحية الصحية والتربوية والنفسية كما ان لديها 3 مراكز رعاية نهارية في بعض المحافظات مثل حولي والاحمدي والجهراء والمقر الرئيسي لها هو في محافظة حولي كما يوجد بها رعاية دائمة للمعاقين حركيا، والرعاية النهارية هي لاستقبال المعاقين في فترة الصباح اما الدائمة فهي للاطفال المقيمين بالمركز ولكنهم يقومون بالذهاب الى بيت ذويهم عصر الخميس ويرجعون عصر السبت.

<
متى تم افتتاح مركز محافظة الجهراء؟
-
تم افتتاح مركز الجهراء في 5/12/1993 في اسبوع التطوع وكان لدينا 18 طفلاً وحاليا لدينا 111 طفلاً وهؤلاء من ابناء محافظة الجهراء والمركز يستوعب 130 حالة ولدينا اطفال تم تخريجهم من المركز بعد إكمال البرنامج التربوي وتأهيلهم للحياة في المجتمع ويكون عضواً مقبولاً بالمجتمع بعد ان تكونت لديه هواية او مهارة يستغلها في وقت فراغه لاننا نتستلم الاطفال الذين يكون مستواهم الادراكي اقل من الذين تقبلهم مدارس التربية الخاصة، وأضافت نحن بالمركز نجعل لديه هواية كالرسم والزرع واذا كانت الحالة من فتيات فأننا نقوم بتعليمها كيفية المساعدة بأمور المنزل كالخياطة والاشغال الفنية حتى يصل عمرها الى سن 18 سنة كما اننا نستقبل الاطفال المعاقين من 5 سنوات حتى 18 عاماً وذلك لأن مركز الجهراء ليس لديه ورش مناسبة لاستقبال الطفل لاستمراره اكثر من ذلك، ولكن من الشهر المقبل ستكون هناك ورش مخصصة بالحديقة للتأهيل بما يعني ان لدينا مبنى جديد خاص بالورش لاستقبال المعاقين الذين تعدوا الـ 18 سنة، ولكن مركز الاحمدي لديه ورش تأهيل تستقبل الطفل من سن 5 سنوات ولم يحدد سن البلوغ لديهم، وبعضهم تحولوا الى بعض المدارس الجديدة.

<
ما نوع الحالات التي يتم استقبالها بالمركز؟
-
نحن نستقبل جميع الحالات بالمركز كالتخلف العقلي والمتلازم الدولي والتوحد والشلل والاضطرابات النامي الشامل وكف البصر وضعف السمع كما اننا نستقبل حالات الذكاء الشديد خصوصا الذين يصيبهم مرض الشلل والذي يكون بين الطبيعي والمتخلف وضمور العضلات.
 
< كيف يتم استقبال الحالات بالمركز؟
-
عن طريق ولي الأمر الذي يحضر الينا الذي يكون قد سمع بنا عن طريق الاعلام بوجود المركز او ان تكون الاسرة لديها طفل معاق سمعت بالمركز من طريق اسرة اخرى هذا غير المجلس الاعلى الذي يقوم بتحويل الحالات الينا والذين يحملون الجنسية الكويتية ولكننا أيضاً نستقبل جميع الجنسيات الأخرى ومن دون رسوم مالية وذلك لأن المجلس الاعلى يقوم باعطاء المركز مبلغ 500 دينار بالعام لكل طفل بالمركز.

<
هل هناك برنامج خاص لكل طفل بالمركز؟
-
نحن لدينا برنامج عام للاطفال والمتمثل في القوائم النمائية للاطفال المعاقين والتخلف العقلي ولكن هناك خطط فردية لكل طفل نقوم من خلالها بتأهيله فنحن نختار من هذه القوائم الخطة المناسبة للطفل وعلى حسب حالته التي نراها عند استقباله بالمركز.

<
ما الخدمات العلاجية التي تقدم للمعاق؟
-
لدينا علاج طبعيي وعلاجب العمل، وعلاج الطبيعي بالماء، فيما يتعلق بالعلاج الطبيعي فهو مختص بالإعاقة الجسدية حركيا حيث يكون الطفل معاق عقلياً ولديه اعاقة جسدية وان كان لديه عضلات دقيقة بالجسم خفيفة فإنه عن طريق العلاج يعملا على تقويتها والاعتماد على نفسه في الملبس والمأكل وهذه من مهمات العلاج بالعمل وذلك بعد قراءة الملف لدى الاخصائية المتخصصة بالعلاج الطبيعي لمعرفة العضو بالجسم الذي يحتاج العلاج وعمل خطة مناسبة له ويتم متابعتها من قبل الاخصائية المختصة، كما ان لدينا مدرسات متخصصات وذلك من قبل الدورات التي تعدها الجمعية للتخلف العقلي كالدورات للعمل بالوسائل التعليمية وتدريب المعاقين في اللغة والاقتصاد والتوحد والماكتون والتربية الفكرية ومشاركتنا بالمؤتمر الخليجي والمعارض وذلك لزيادة الخبرة للمدرسة.

< نعلم ان لديكم مشرفات اجتماعيات ونفسيات فكيف يتعاملن مع اولياء الامور معهم؟
-
نحن فريق عمل واحد، وعند حضور الطفل يتم استقباله من اللجنة وكل جهة تنظر لحالة الطفل على حسب تخصصها وبعدها يبقى الطفل لدينا لمدة شهر من دون اي خطة عمل وذلك لتكوين الملاحظات ودراسة حالته جيدا ويتم استدعاء ولي الامر للسؤال عن اي شيء خاص بالطفل ولمعرفة قدرات الطفل وبعد الشهر نبدأ بوضع خطة مناسبة للطفل بعد عرضها على ولي الامر وابداء الرأي فيها وذلك لمشاركة ولي الامر بعلاج الطفل ولدينا اسر كثيرة متفهمة لطبيعة طفلها ولكن بعض الاسر الاخرى ليس لديها فكرة عن الاعاقة وتقوم بطلب طلبات تدل على جهلها بطبيعة اعاقة ولدهم ومن هنا نبدأ بإعطائه الندوات والمحاضرات والارشادات والجلوس مع الاخصائية الاجتماعية شرح قدرات الطفل للاسرة بوضع خطة لكي يستوعب الامور ولكن لدينا تعاونا كبيرا من قبل الاسر.

<
هل تقومون باعطاء محاضرات خاصة للاسرة على حسب مرض طفلهم العاق؟
-
نعم، وذلك لاعطاء فرصة للام للتحدث عما بداخلها تجاه اعاقة ولدها مع ام اخرى لديها معاق بمرض آخر وهذا يعتبر راحة نفسية للاهالي ولدينا ايضا محاضرات خاصة بمرض معين مثل الصرع حيث نقوم بتعليم الام كيفية التعامل مع الحالة اذا كانت متواجدة لديها في البيت كما لدينا محاضرة خاصة بتعليم الطفل كيفية اللبس بطريق سهلة وذلك من خلال الورشة التي تحضرها امهات المعاقين، فنحن دائما مع معاناة الاهل وتعليمهم بكيفية التغلب عليها، مضيفة لدينا الآن مدرسات تعملن بروشرات خاصة بكيفية الاهتمام بالطفل المعاق للاهل.

<
هل هناك سلوكيات معينة يحتاج المعاق للعلاج الطبي؟
-
نعم فإذا كان لديه حركة زائدة فهذه الحالات تستوجب مراجعة الدكتور النفسي لاعطآئه بعض انواع الحبوب او الادوية وذلك بعد اخبارنا للاسرة بضرورة مراجعة الطبيب.

<
ما دوركم لزيادة الوعي الاجتماعي تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة؟
-
طبعا لدينا مجلة دورية كل ثلاثة اشهر تختص بمقابلات لمدير الجمعية والمؤتمرات العالمية والمحلية والخليجية ولدينا لجنة اعلامية مهمتها الاعلان عن الجمعية ودورها بالمجتمع والخدمات التي تؤديها.

<
هل هناك عقبات تواجهكم تتمنون إزالتها؟
-
نعم، فمن أهم المشكلات طريقة توصيل الطلبة من البيت الى المدرسة وهنا نجد غيابا كبيرا من قبل الطلبة عن المدرسة وذلك لعدم توافر وسيلة نقل في المركز كما ان ولي الامر يكون عمله في احدى الوزارات ولا يستطيع توصيل ابنه المعاق الى المدرسة خصوصا لو كان في السلك العسكري الذي يضطر الاب للغياب عن منزله للاستلام العسكري ما يجعل الطفل يغيب معه، وهذا يؤثر على مستوى تطور الطفل وتقدمه، ونحن لا نستطيع توفير الباص لانه يحتاج الى مشرفات عليهن مرافقة الباص في الذهاب والعودة من المدرسة والى البيت.

<
ما البرامج التربوية المقدمة لتقدم للطفل؟
-
لدينا مجالات متعددة لتقدم للطفل منها اللغة والتواصل والتدريب الذهني والسلوكيات التهذيبية ومهارات وتدريبات علمية صحية وتأهيل واقتصاد منزلي وتربية فنية واشغال فنية وخزف وكمبيوتر الى جانب الزراعة والمسيقى والالعاب، وهذه الانشطة نقوم بتعليم الطفل عليها ونرى في اي مجال يبدع الطفل ومن ثم نقوم بتكثيف هذا النشاط له ليبدع فيه، كما ان لدينا اطفالا مبدعين في كل سنة يفوزون بالمسابقات خصوصا بالرسم وذلك عن طريق المدرسة للتربية الفنية علياء عبدالله التي لديها طفل شارك في اميركا وفاز بالجائزة الاولى بالرسم سنة 2001 وهذه المسابقة العالمية تسمى «آرتينك» وتكون عن طريق ارسال شريط خاص مصور بعمل خطوات الرسم للمعاق وعدم سفر الطفل يعود الى انشغال الاسرة وعدم تمكنهم من السفر، اضافة الى ذالك شاركنا ايضا في العديد من المهرجانات الخليجية والعربية ونحمد الله اننا استطعنا تحقيق الجوائز الاولى في المهرجانات، فالجمعية الكويتية هي التي ادخلت برنامج «الماكتون» الى الخليج وهذا يحسب لدولة الكويت والفضل يعود الى رئيسة مكتب الخليج العضوة في اللجنة التعليمية للجمعية سبيكة الجاسر، كما اننا شاركنا في مهرجان البنك ومدرسة خليفة للرسم وحصلنا على الجوائز الاولى فيها.
شكر... وتقدير
كلمة شكر وتقدير للمعلمة الفاضلة علياء عبدالله مدرسة التربية الفنية في مركز جمعية المعاقين التابعة لمحافظة الجهراء على جهودها الكبيرة تجاه المعاقين في التربية الفنية في المركز لحصولهم على الجوائز المتقدمة في الرسم والذين حصلوا على المراكز الاولى في الرسم في جميع المسابقات على المستوى الخليجي والعربي والعالمي .... شكرا وتقدير لكل من ساهم في الصرح العظيم والله يحمي ابنائنا بالكويت ويحفظ الكويت العظيمة ويحفظ اهلها يارب ... خبير في التربية الخاصة هاني خليفة 
hany.moaz@yahoo.com

الأحد، 29 يوليو 2012

صرخة هاني خليفة ...طريقة " ماريا منتسوري " في تربية الأطفال المعاقين عقلياً


" ماريا منتسوري " سيدة إيطالية ولدت سنة 1870 م وعملت كطبيبة مساعدة في مستشفى بروما وأثناء اشتغالها بالطب وجدت في نفسها ميلاً خاصاً لدراسة التربية ومعالجة ذوي الإعاقة العقلية من الأطفال .
ويتجلى ذلك الاتجاه في عبارتها الخالدة \ لقد اختلفت مع زملائي في اعتقادي أن الإعاقة العقلية تمثل في اساسها
مشكلة تربوية أكثر من كونها مشكلة طبية \ .
وبهذا نجد أنها تضع أساساً لمدرسة جديدة للأطفال المعاقين عقلياً هي مدرسة ( أورتوفرنيكا ) التي أشرفت على إدارتها .
ولقد تأثرت " ماريا منتسوري " في آرائها الخاصة بتعليم الأطفال المعاقين عقلياً بآراء كل من " إيتارد " و " سيجان " وهما من كان لهما فضل الأولوية في ميدان معالجة الأطفال المعاقين عقلياً ، وقد أدى نجاحها في هذا الميدان إلى اعتقادها بأن خطأ كبيراً في طرق تعليم الأطفال العاديين .
وقد زادت شهرتها وعظم صيتها عندما نجح أحد المعاقين عقلياً من الدارسين معها في امتحان شهادة عامة وكان نجاحه لا يقل في نسبته عن نجاح غيره من الأطفال العاديين .
وقد ردت " ماريا منتسوري " على إعجاب المربين بقولها \ إن نجاح الأطفال المعاقين عقلياً وقدرتهم على مناقشة الأطفال العاديين إنما يرجع إلى عامل واحد فقط وهو أنهم تعلموا بطريقة مختلفة \ .
وقد اهتمت " ماريا منتسوري " بثلاثة أشياء وهي :
صحة الأطفال .
التربية الخلقية .
النشاط الجسماني .

الأسس السيكولوجية التي بنيت عليها طريقة " ماريا منتسوري " في تربية الأطفال المعاقين عقلياً :
القانون الأول :
التركيز على أهمية مخاطبة عقلية مثل هؤلاء الأطفال وأن تكون الأنشطة المقدمة في مستوى أقل من تلك التي تقدم للأطفال العاديين .
القانون الثاني :
مراعاة خصائص التطور العقلي للأطفال المعاقين عقلياً ومراعاة ميولهم . ( يجب أن تهتم التربية بالمثيرات الغنية التي تؤدي إلى إشباع خبرة الطفل إذ أن الطفل " المعاق عقلياً " يمر بلحظات نفسية يكون استعداده العقلي فيها لتقبل المعلومات قوياً فإذا نحن تركنا هذه اللحظات تمر هباءً فمن العبث أن نحاول إعادتها إذ يكون الوقت المناسب قد مضى ) .
القانون الثالث :
يجب العمل مع الطفل في الفترات التي يجد فيها الطفل نفسه ميالاً إلى إشباع ميوله .
القانون الرابع :
إعطاء الطفل المعاق عقلياً القدر الكافي من الحرية .

طرق تطبيق الأسس السيكولوجية :
تدريبات تقدم لتأهيل الطفل المعاق عقلياً للحياة العامه العملية .
تدريبات تقدم للطفل المعاق عقلياً لتربية الحواس .
تدريبات تعليمية تهدف إلى إكساب الطفل المعاق عقلياً معلومات أو خبرات أو مهارات معينة .

تعليم الكتابة للطفل المعاق عقلياً عند " ماريا منتسوري " :
تذكر " ماريا منتسوري " أنه في حالة الأطفال المعاقين عقلياً القابلين للتعلم يمكن تدريب العضلات وتشكيلها ولهذا فالمقدرة على الكتابة من الممكن أن يتعلمها الطفل المعاق عقلياً القابل للتعلم .
وتضيف أيضاً أنه من المهم أثناء تعليم الطفل الكتابة أن نفحصه ونلاحظه وهو يكتب وليس المهم مدى صواب الكتابة في حد ذاتها .
وتعليم الحروف عند " ماريا منتسوري " يشابه تعليم الأشكال فكما أن الأطفال يتعلمون تمييز الأشكال الهندسية عن طريق اللمس أولاً ثم عن طريق النظر كذلك نجد أن " ماريا منتسوري " تنصح باتباع هذه الطريقة في تعليم الحروف فتصنع الحروف من خشب أو من ورق مقوى وبلمس الأطفال لهذه الحروف يتعلمون أسماءها الواحد بعد الآخر أثناء عملية اللمس فإذا أجاد الأطفال هذه المرحلة الأولى من التمرين فإنهم يجدون متعة كبيرة في التعرف على الحروف عن طريق اللمس ( وعيونهم مقفلة وبذلك يتعلم الأطفال الحروف عن طريق اللمس ثم ينتقلون إلى التعرف عليها عن طريق البصر ) . فتعرض عليهم الحروف مكتوبة على الورق ، وهنا تأتي المرحلة الثانية من مراحل تعلم الكتابة وهي تعلم الحروف عن طريق حاسة النظر ويتعلم الأطفال مخارج الأصوات للحروف في نفس الوقت فيتدرب الأطفال على تحليل الكلمات المنطوقة إلى أصواتها فإذا أجادوا ذلك فقد حان موعد القراءة .

تعليم القراءة للطفل المعاق عقلياً عند " ماريا منتسوري " :
تصر " ماريا منتسوري " على عنصر الفهم في القراءة بل إنها ترفض أن تعطى اسم القراءة لأي شيء خلاف هذا وكما أن الكتابة ليست مجرد نقل الحروف والأسطر التي أمام الطفل كذلك فإن القراءة عبارة عن فهم الفكرة من الرموز المكتوبة وتبدأ دروس القراءة بأسماء الأشياء المعروفة أو الموجودة في الحجرة وهذا يسهل على الطفل عملية القراءة فهو يعرف مقدماً كيف ينطق الأصوات التي تكون الكلمة .
وخطواتها كما يلي :
يعطى الطفل بطاقة قد كتب عليها اسم الشيء فيكون عمله مقصوراً على ترجمة العلامات المكتوبة إلى أصوات فإذا قام بذلك بطريقة مناسبة فليس على المعلم إلا أن يقول " أسرع قليلاً " فيقرأ الطفل بسرعة أكبر وتتكرر هذه العملية عدة مرات وقد لا تكون الكلمة مفهومة لدى الطفل في باديء الأمر نظراً لتقطع مقاطعها ولكن عندما يقرأها الطفل بالسرعة المناسبة ( تحت إشراف المعلم ) تنتقل الكلمة إلى بؤرة الشعور مباشرة فإذا تم ذلك يضع الطفل البطاقة بجوار الشيء الذي تحمل اسمه هذه البطاقة ثم ينتقل الأطفال إلى قراءة الجمل فتكتب الجمل التي تصف الحركات أو التي تتضمن الأوامر على قطع من الورق ويختار الأطفال من هذه القطع ويقومون بأداء ما يطلب منهم عمله فيها ويجب أن يلاحظ أن الطفل لا يقرأ هذه الجمل بصوت مرتفع فهدف القراءة الأول أن يكتشف الطفل المعاني من الرموز المكتوبة .

تعليم الحساب للطفل المعاق عقلياً عند " ماريا منتسوري " :
تستخدم " ماريا منتسوري " في تعليم الأطفال الأعداد مايسمى بطريقة السلم الطويل وهذه عبارة عن مجموعة من عشرة حبال طول الأول متر واحد والأخير طوله عشرة سنتيمترات ــ يمكن أيضاً استخدام عشر مساطر خشبية بنفس أطوال الحبال ــ وتنقل الحبال في الوسط بالتدرج ثم تثبت هذه الحبال من طرفيها مكونة سلماً تسميه " ماريا منتسوري " بالسلم الطويل وتقسم الحبال أو المساطر إلى أجزاء ديسميترية ( كل مسافة عشرة سنتيمترات ) وتنقش المسافات على المساطر أو الحبال بالأزرق والأحمر على التوالي وتستخدم الحبال في تمرينات الحس لتعويد الأطفال التمييز بين الأطوال .
وإذا ما تمرن الطفل على ترتيب المساطر أو الحبال طولياً يطلب منه أن يعد الأقسام الحمراء والزرقاء مبتدئاً بالأقصر ثم يعطى أرقاماً لكل مسطرة أو حبل على سبيل التسمية فيستطيع الطفل أن يقول أن المسطرة رقم ( 1 ) تحتوي على ( ... ) وحدة من الوحدات الحمراء و ( ... ) وحدة من الوحدات الزرقاء وهكذا في باقي المساطر فيتعلم الطفل مباديء الجمع ولهذا ابتدعت " ماريا منتسوري " أجهزة مختلفة لتعليم العمليات الأربعة في الحساب بطريقة حسية يقبل عليها الأطفال بحب فيتعلمون أثناء اللعب ما يعجز عن تعليمه للتلاميذ مدرس الحساب بالطريقة التقليدية التي لا تناسب الأطفال المعاقين عقلياً ويستمر الأطفال في استخدام الأجهزة التي تعلم الحساب متدرجين من البسيط الى الصعب .

وبناءً على ما تقدم يمكن تقرير المبدأ الرئيسي لطريقة " ماريا منتسوري " في أن الطفل في حالة تحول مستمرة ومكثفة سواء في جسمه أو عقله .
وترى " ماريا منتسوري " أن السنوات من ( 3 ) إلى ( 6 ) هي مرحلة بناء الفرد .
إذ أن هذه السنوات هي التي تنمو فيها الذاكرة والتفكير والإرادة . حيث ينهمك الطفل في هذه السنوات في بناء نفسه : فيفضل العمل على اللعب ، والنظام على الفوضى ، والهدوء على الضوضاء ، والاعتماد على النفس لا الاعتماد على الغير ، والتعاون لا المنافسة .
معنى هذا :
أن مثل هذا النظام يؤسس على احترام شخصية الطفل ، فيبعده عن تأثيرات الكبار حتى ينمو نمواً أقرب إلى العادي ولهذا توجه البيئة المعدة أو المهيأة لذلك والتي توفر للطفل التعلم في جو مشبع بالهدوء والطمأنينة مع استمتاعه بقدر كبير من الحرية تعتبر ركيزة لهذا النظام .
إن أي نظام تربوي مؤسس على طريقة " ماريا منتسوري " :
يعتبر الطفل مشاركاً إيجابياً في إطار بيئة أعدت خصيصاً له ، وتتاح له الفرص في تلك البيئة للتحرك واختيار الأعمال بتلقائية من شأن هذا الأسلوب أن يعمل على تنمية إمكانات الطفل فيستخدم حواسه الخمسة يستكشف بها العالم من حوله وتكون النتيجة أن كل إنجاز جديد يحرزه الطفل يمنحه إحساساً بقيمته الذاتية وهذا يؤدي إلى احترام الذات وهو الخطوة الأولى في تعلمه كيف يحترم الآخرين وحقوقهم .

السبت، 28 يوليو 2012

صرخة هاني خليفة ...كيف يختلف اللعب عند الطفل التوحدي عن الطفل الطبيعي؟

مع تحيات / هاني خليفة خبير في التربية الخاصة hany.moaz@yahoo.com

عبد الرحمن محمود جرار - التوحد Autism هو اضطراب في النمو العصبي يؤثر على التطور في ثلاثة مجالات أساسية: التواصل، والمهارات الاجتماعية، والتخيل. والتوحد قد يحدث بمفرده أو قد يكون مصاحبا لاضطراب آخر يؤثر على وظائف الدماغ، كالصرع، والإعاقة العقلية، أو الالتهابات الفيروسية. والتوحد اضطراب مربك لأنه يعبر عن نفسه بشكل مختلف في كل حالة. فبعض الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من ضعف عقلي شديد في حين أطفالا آخرين يظهرون قدرات متميزة في الحساب أو في الذاكرة أو في الفن ولكنهم يفتقرون إلى أية مهارات اجتماعية. وبعض الأطفال لا يتكلمون في حين ان بعضهم الآخر يتكلم وان كان كلامهم غير واضح للآخرين من حولهم. وينزعج معظم الأطفال التوحديين من التغير في بيئتهم، أو يظهرون حركات من نفس النمط مثل هز الجسم أو اللعب بنفس الطريقة أو الانفصال عن البيئة والناس فيها.
ويظهر التوحد في جميع أنحاء العالم وعند جميع الجنسيات والطبقات الاجتماعية. ولم تجرى حتى الآن أي دراسات تدل على مدى انتشار التوحد في العالم العربي. تظهر حالات الإصابة بالتوحد بنسبة 1:4 بين الذكور والإناث بشكل عام. ولكن التوحد يظهر في الغالب بدرجات شديدة لدى الإناث، ويكون مصحوبا بتأخر عقلي شديد. وفي فئة التوحد الشديد، يوجد ذكران مقابل كل أنثى. 1:2.
ويظهر التوحد بوضوح عادة قبل أن يبلغ الطفل السنة الثالثة من عمره، وفي 70 -80 %من الحالات يظهر خلال السنة الأولى من العمر. أما بقية الأطفال فإنهم ينمون بشكل طبيعي أو قريب من الطبيعي ثم يتراجعون بين سن الثانية والثالثة ويفقدون بعض المهارات التي اكتسبوها، مثل استخدامهم لبعض الكلمات، واهتماماتهم الاجتماعية.
نظرا للشدة التي يتضمنها اضطراب التوحد فإن هذا يؤدي إلى خلل في الكثير من المجالات عند الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، واللعب إحدى هذه المجالات، فالأطفال التوحديون لا يبدون نفس الاهتمام الذي يبديه الأطفال الآخرون بالدمى والألعاب، ومن الأشياء التي يقوم بها اختصاصي التوحد لمعرفة ما إذا كان الطفل يعاني من التوحد أم لا ملاحظة اهتمام الطفل بالألعاب. فإذا لم يعر أي منها اهتماما، فقد يكون هذا السلوك إحدى العلامات الانذارية للإصابة بالتوحد. وفي كثير من الأحيان، يُعزى افتقارهم إلى الاهتمام بالألعاب إلى عدم معرفتهم بطريقة الحصول على نتائج ممتعة منها، وهي مهارة يبدو أن الأطفال العاديين يتعلمونها بملاحظة الناس الآخرين وتقليدهم. في كثير من الحالات عندما يتم تعليم الأطفال التوحديين كيف يلعبون بالأشياء، يزداد اهتمامهم بالدمى ويصبحون أكثر قوة في استخدامها إلا أنهم لا يصلون إلى حدود طبيعية.
يسود اللعب الحسي الحركي عند الطفل العادي في مرحلة الرضاعة، فهو في هذه المرحلة قد يلجأ مثلا إلى ضرب دمية بعنف، أو يديرها حول نفسها، أو يرميها. إلا أن جميع هذه السلوكيات تنتهي مع تقدم الرضيع بالعمر، في حين ان هذه السلوكيات عند الطفل التوحدي تستمر معه إلى مراحل متقدمة من عمره.،ويأتي استعمال هؤلاء الاطفال للأشياء متكررا ولا مرونة فيه. ومن تصرفاتهم مع الأشياء، أنهم يشمونها أو يتذوقونها أو يتحسسونها، فقد يبقى التوحدي يلهو بخيط برز من ملابسه أو من الأثاث لفترة طويلة من الوقت وعلى نفس الوتيرة.
والأطفال العاديون يكونون أكثر تنظيما للعب عند مقارنتهم بالأطفال التوحديين، فالعاديون يرتبون ألعابهم في صفوف أو في أماكنها حتى وان كانوا فوضويين إلا انه عندما يطلب منهم إعادة تنظيمها فإنهم في الغالب يفعلون، وهذا ما لا نجده عند الطفل التوحدي والذي يصر بدوره على بقاء الألعاب كما يريدها هو ان تكون، وان ترتب كما يريد هو ترتيبها، وإذا حاول احد إجراء تغيير على تنظيمه للألعاب ينتاب التوحدي ثورة غضب شديدة.
ويبدأ الطفل العادي بتوظيف الأشياء ضمن وظائفها، فهو يرفع هاتفا صغيرا إلى أذنه ويتظاهر انه يكلم الآخرين وأنهم يردون عليه، وتقوم البنات الصغيرات باستخدام الفرشاة لتمشيط شعر الدمية. أما في حالة الطفل التوحدي فهو لا يستخدم الأشياء من حيث وظيفتها كما يفعل الطفل العادي، فهو يهتم بجزئيات الأشياء، مثل سلك الهاتف، أو الأزرار، ويبقى يلهو بها أحيانا لفترات طويلة تتعدى الوضع المقبول. مثال آخر، في الوقت الذي يستخدم فيه الأطفال العاديون الصحون للعب بها والتظاهر ان بداخلها طعاما ويحضرون ملعقة ويستخدمونها وكان الوضع طبيعي وأنهم على مائدة الأكل، فإن الوضع هنا بالنسبة للطفل التوحدي مختلف تماما فهو يوظف الصحون لتحريكها في حركة دائرية، ويبدأ يرفرف بيديه بسرعة ويصدر أصوات غريبة.

صرخة هاني خليفة ...الصيام .. أوله فى النفس وآخره عند الله

كنت ورفاقي الصغار نفرح برمضان لأسباب متعددة , ولكن كان أهمها بالنسبة لنا هو أن العفاريت تكون مقيدة  فى هذا الشهر , فكنا نرتاد كل الأماكن ليلا ونهارا بلا خوف فنحن على يقين من غياب العفاريت , وكنا نتمنى أن تكون السنة كلها رمضان لهذا السبب بالذات , حيث كانت قصص العفاريت وحكايات الشياطين تملأ عقولنا فى هذا الوقت وتنغص علينا حياتنا , فإذا انتهى رمضان عادت المخاوف والمحاذير مرة أخرى تملأ عقولنا وقلوبنا الصغيرة .
وحين كبرت وتخلصت من موضوع العفاريت هذا لم أنج من شعور بالرتابة والسآمة والملل ينتابنى فى كل عام فى الفترة التى تسبق رمضان , وأشعر أن ثمة ركام من الأحزان والمخاوف والقلق يملأ جنبات نفسى , فأتذكر أن رمضان قد اقترب , فهو بالنسبة لى موسم علاجى تتطهر فيه نفسى من كل ما علق بها خلال العام (وهو كثير) , وموسم بهجة لا أعرف سببها بالتحديد فقد يكون تراكم خبرات طفولية سعيدة عشتها فى رمضان فارتبطت به زمانا وطقوسا وروحا .
ولهذا ولغيره تتوق نفسى إلى اقتراب رمضان وقدومه كى أستريح وتهدأ جوانحى وتتجدد حياتى . فعلى الرغم من امتلاء نهار وليالى رمضان بالتغيرات والأحداث إلا أننا نشعر أننا مقبلون على استراحة نفسية نتخفف فيها من أعبائنا وهمومنا وأحزاننا . وبهذا المعنى يصبح رمضان جائزة سنوية , وشيئا منتظرا وتجديدا فى حياتنا يذهب عنها الرتابة والنمطية والملل .
والنفس تستشعر هذا بشكل أكثر وضوحا حين يهل شهر رجب ثم يزداد الشعور بالشوق أكثر حين يهل شهر شعبان , وقد يصاحب هذا الشوق نوع من القلق الذى نستشعره ونحن فى انتظار حبيب فتدور فى نفوسنا تساؤلات عن طبيعة القدوم وظروفه , وعن استعدادنا لذلك من عدمه , وعن قدرتنا على الإستقبال , وقدرتنا على تحمل التغيير الحادث فى حياتنا بقدوم هذا الحبيب , وهذه الدرجة من القلق لا تضيع فرحة الإنتظار بل توقظ الحواس للإستقبال , وتزيل بلادة الحياة الرتيبة الجامدة المتكلسة تأهبا لحركة جديدة وحياة متغيرة .
 
أفراح رمضان  :
وتتبدى فى أشياء كثيرة منها :
* استطلاع الهلال : قد يبدو منطقيا أن حساب بداية رمضان بالوسائل الفلكية أكثر دقة وانضباطا , ولكنه من جانب آخر يحرمنا من أشياء أحسبها مهمة من الناحية النفسية والروحية , فانتظار رؤية الهلال بالعين المجردة مع احتمالات ظهوره أو عدم ظهوره يعطى فرصة للتطلع العام نحو السماء , وإعادة الإرتباط بها بعد طول نسيان وطول انغماس فى النظر إلى الأرض , كما أن لمفاجأة الرؤية بهجتها وطعمها وحلاوتها . وأتمنى أن تنتشر بين الناس عادة الصعود إلى أسطح منازلهم وإلى المرتفعات والجبال لرؤية الهلال بأنفسهم , وهو أمر متاح لكل الناس لو صدقت نيتهم وعلت همتهم , وأن لا يكتفوا بمعرفة بداية رمضان فلكيا أو تليفزيونيا . وربما لهذا السبب (وغيره) ما زالت بعض الدول تصر على الرؤية بالعين المجردة للهلال وتشجع مواطنيها على محاولة الرؤية وتخصص جوائز لمن يرى الهلال ويدل على وجوده .
واستطلاع الهلال وانتظاره بهذا الشوق والترقب هو تجديد للإحساس بالزمان , وتنشيط للوعى به , ولا يوجد مثل رمضان شهر يستشعر فيه الناس زمانهم  بشكل واضح فيعرفون الوقت واليوم بدقة تفوق أى وقت آخر .
وهلال رمضان ليس فقط إشراقة فى السماء , ولكنه إشراقة فى الروح , وهو نور يشق عتمة الضمير.
·  فرحة تغيير روتين الحياة اليومية الذى اعتاده الناس وسئموا منه طوال العام
· فرحة فى الدنيا وأخرى فى الآخرة , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "للصائم فرحتان , فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه" . فثمة فرحة كبيرة عند الجلوس على الإفطار بعد طول جوع وعطش وقد التأم شمل الأسرة , وفرحة الإستبشار بجزاء الصوم والذى جعله الله مفاجأة سارة للمؤمن يوم القيامة حيث ورد فى الحديث القدسى " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " (متفق عليه) , وورد فى الحديث النبوى "إن فى الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم"(متفق عليه)  . ويقول وكيع فى تفسير قوله تعالى : " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية " , هى أيام الصيام .
· والفرحة ليست قاصرة على المؤمن الصائم فقط , فالله سبحانه وتعالى فرح بعبده لدرجة أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك , وهذه درجة عالية من الحب تجعل المكروه فى المحبوب جميلا فقد قال صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (متفق عليه)
· وينقى جو الكون من شوائب الشر لتعم البهجة كل الكائنات حيث تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" ( متفق عليه)
تحرر فانطلاق :
يتميز رمضان من الناحية النفسية بتحريك الثبات المتجمد والمتكلس , وزلزلة السكون البليد الملتصق بالطين , على أمل إطلاق الروح لتمضى فى طريقها إلى العالم العلوي لتقف فى حضرة الإله وتعود بقبس من نوره تستعين به على ظلمات الأرض والحياة , وتستشعر فى ذلك سعادة لم تتذوقها الحواس من قبل , سعادة لا يكدرها خوف أو قلق أو ألم أو خزى أو عار أو إحساس بالذنب , نوع من السعادة المطلقة التى لا تتحصل إلا فى مثل هذه الظروف . ويتحقق هذا من خلال تغيير شامل فى عادات الأكل والشرب والنوم واليقظة ونمط العلاقات الإجتماعية بشكل يكسر المألوف ويخرج على المعتاد .
هاهنا يتوقف العقل عند منتهاه ويواصل القلب الرحلة فى سماوات اليقين والوجدانات والوجد ثم يصل إلى منتهاه ويسلم القياد للروح التى تنطلق فوق السماوات سابحة فى نور لا تحده حدود , متجاوزة آفاق كل اللغات , لتتلقى الحكمة الإلهية والنور الربانى بلا وسائط أو حجاج . هذه الإشراقة هى وحدها – وليس العقل – التى تحرك الجوارح لتقوم الليل وتهجر النوم , وتستيقظ فى فجر الشتاء حين تستشعر رعشة اليقين تدب فى أوصال الجسد المتعب فتحييه لينهض فيستقبل نور الإيمان الذى يسبق نور الصباح . هنا تكون الشعائر عملا إيمانيا لا مجرد عادات اجتماعية أو تدريبات رياضية يسعى صاحبها إلى مكانة فى أهله وناسه أو إلى راحة فى بدنه .
 
ضبط وطمأنينة :
قد تكون سيارتك جديدة وقوية وفائقة السرعة لكنك لا تطمئن إلى قيادتها إلا فى وجود نظام الفرامل (الكابح) الذى يمكنك من التحكم فى سرعتها وقت اللزوم , والنفس البشرية تموج بالرغبات والشهوات التى تثير المخاوف والقلق من انطلاقها أو انفلاتها , ولا تتحقق الطمأنينة النفسية إلا فى وجود نظام ضبط مناسب . والشهوات تقوى بالطعام والشراب وتهدأ مع الصيام , وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع " , وقال أيضا لعائشة رضى الله عنها : " داومى قرع باب الجنة , قالت بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم : بالجوع " .
والصائم قد يندفع فى الغضب أحيانا بسبب قلة نومه أو عطشه أو جوعه أو حرمانه من كوب الشاى أو فنجال القهوة أو السيجارة أو بسبب الزحام الشديد أو الحر الخانق , ولكنه سرعان ما يتذكر أو يذكره أحد فيقول "اللهم إنى صائم" فتصحو قوة الضبط مرة أخرى فى داخله تطمئنه.
إذن فالصيام ضبط صحى لثورة الشهوات ووساوس الشيطان , والنتيجة الطبيعية له هى انخفاض حدة الصراع الداخلى بين الشهوات الثائرة وبين الضمير مما يؤدى إلى هدوء النفس وسكينتها .
 
رمضان ومستويات اللغة :
لكم ضاعت منا ساعات وليال طوال نحاجج أنفسنا ونحاجج بعضنا البعض بعقولنا التى أنهكتنا وأتعبتنا ويحرص كل منا على إثبات جدارته وفصاحته وقدرته على إفحام أقرانه , ونظن أننا انتصرنا حين فعلنا ذلك وأننا ألزمنا الآخرين الحجة وألزمناهم مسئولية العمل بما نرى , ولكننا نكتشف أننا أورثنا نفوسهم العداوة والبغضاء ضدنا وضد ما ننادى به من أفكار .
والآن نشعر بالجوع والعطش والتعب ونحن صائمون فتسكت ألسنتنا وتخمد عقولنا وننظر إلى بعضنا البعض محاولين استخدام لغة أخرى هى لغة القلب , وهى لغة أكثر طيبة وأكثر بساطة وسماحة , لاتحتاج نحوا أو صرفا , ولا تفرق بين غنى أو فقير , وتتجاوز حدود الثقافات والأقطار , ولا تحتاج لترجمات أو ضبط مصطلحات , لغة يعرفها الجميع وفى نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يصفها , هى كما قال أحدهم فى وصفها "سر عام" .
ثم نكتشف ونحن نقوم الليل فى ركن من أركان البيت وقد أطفأنا المصابيح وأغلقنا المذياع والتلفاز والحاسوب والتليفون المحمول , نكتشف أننا انشغلنا بالناس أكثر من اللازم , وأعطيناهم أكثر مما يستحقون , بل إننا انشغلنا بهم عن الله , هنا تشق الروح عتمة الجسد لتمضى صعدا إلى عالم الخلود والطمأنينة والرضا فى رحاب الله القدسية متجاوزين البشر والحياة واللغات والصراعات والعلاقات والتعلقات .
 
 صيانة دورية للضمير :
لا يعرف أحد أين يوجد الضمير فى الإنسان , أهو فى دماغه أم عقله أم قلبه أم روحه ؟ , بل لا يعرف أحد تعريف دقيق له غير أنه : ما تضمره فى نفسك ويصعب الوقوف عليه , فهو شئ خفى أشبه برادار يلتقط الإشارات ويصنفها أهى من جانب الخير أم من جانب الشر , أى أنه استعداد نفسى لإدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأقوال والأفكار والتفرقة بينها , واستحسان الحسن واستقباح القبيح . وعلى الرغم من خفاء الضمير واختفائه , إلا أنه قوة إدراكية عظمى فى النفس البشرية , تتفحص الأقوال والأفكار والأعمال وتصل إلى جوهرها بعد تجاوز الألوان البراقة والأشكال الخادعة , وقد يحاول الإنسان فى ظروف ما أن يخدع ضميره بمبررات أو إيهامات أو إيحاءات كاذبة , وقد ينجح هذا لبعض الوقت , ولكن الضمير ينهض من سقطته ويخرج من كهف عميق فى النفس ليعلن الحقيقة ويمارس الوخز المستمر لصاحبه ليوقظه من غفلته ويخرجه من خداعه لنفسه أو لغيره , وهنا قد يضيق الإنسان ذرعا بالضمير , فيحاول قتله نهائيا بالتمادى فى الخداع والتقلب فى الملذات والولوغ فى الموبقات , وقد يموت الضمير فعلا , ولكن يموت معه القلب وتضيع معه بوصلة الإهتداء فيجرى الإنسان بلا وعى أو هدى خلف كل ناعق . وربما يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قصد الإشارة إلى تلك القدرة الفطرية فى داخل النفس والتى تستطيع بشكل غامض التفرقة بين الخير والشر حين تتضارب الفتاوى والأقوال , فقال صلى الله عليه وسلم : "استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك " , ذلك الميزان الخفى العفى القابع فى أعماق النفس يوقظها ويوخزها ويهديها وسط الخطوط المتقاطعة والمتشابكة .
ولكن هذا الضمير قد تتداعى عليه الأدران وتتكالب عليه المبررات فتشوش عليه أو تحاول طمسه , ولكى يحتفظ بتوهجه وقدرته على العمل فلابد له من صيانة دورية , والصلاة صيانة يومية للضمير ( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهر يغتسل فيه خمس مرات فى اليوم والليلة , أيبقى من درنه شئ , قالوا لا يبقى من درنه شئ , قال فذلكم الصلوات الخمس ) , والصيام صيانة سنوية ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) , والحج صيانة عمرية (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) . ولكل دورة صيانة مزاياها , فالصلاة صيانة متكررة وسريعة , والصيام دورة طويلة ومكثفة , والحج دورة شديدة العمق والتأثير والتغيير . ونطق الشهادتين نؤديه أمام الناس , والصلاة والحج نؤديهما مع الناس , والزكاة نؤديها للناس , والدعوة إلى الله نؤديها فى الناس , أما الصيام فإنه العبادة المتفردة التى نؤديها أمام الله ومع الله ولله وفى الله , ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " .
وطهارة الضمير هدف أساسى للصيام كما يتضح من قوله تعالى "ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" , فالتقوى هنا هى عودة البوصلة الداخلية إلى طريق الحق وتخلصها من وسائل التشويش والتشويه والتضليل , وإذا لم يتحقق هذا الأمر فإن الصائم لا يجنى من صيامه إلا إجهاد الجوع وعذابات العطش كما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم : "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" .
 
تعتعة جمود النفس بين الحرمان والشبع :
فى بعض الأمراض المزمنة قد يكتسب الجسد مناعة ضد تأثير العلاج الدوائى , وهنا إما أن نغير الدواء نفسه أو أن نوقفه بعض الوقت ثم نعاود إعطائه , أو أن نعطيه بشكل زجزاجى (متقطع أو صاعد هابط) , كل هذا فى محاولة لإيقاظ وتنشيط مستقبلات الدواء . والنفس البشرية قد تصل إلى هذه الحالة من البلادة بسبب الألفة والنمطية واستمرارية الأشياء , وهنا يحتاج الأمر إلى تعتعة (تعبير التعتعة, وتعبير العلاج الزجزاجى يعود الفضل فى استخدامهما إلى أستاذى الفاضل العزيزالدكتور يحيى الرخاوى) , لتحريك جمود النفس وتكلسها ومواتها , وهذا يتم من خلال ذلك التغيير الشامل فى نظام الطعام والشراب وتناوبهما مع الجوع , وأيضا فى تغيير مواعيد النوم واليقظة , وتغيير طقوس اليوم والليلة , والطقوس الإجتماعية والعبادية . ولكن يبقى التناوب بين الجوع والشبع وبين العطش والإرتواء تناوبا بيولوجيا مؤثرا فى كل الوظائف العقلية والقلبية والروحية . فألفة الطعام تميت الإحساس بقيمته وألفة الشراب تميت الإحساس بطعمه وأهميته , وألفة الجنس تذهب بحلاوته , لذلك فإن قطع هذه الألفة بالحرمان يوقظ الحواس مرة أخرى ويبرز قيمة الأشياء . كما أن حالة الشبع من الطعام والشراب والجنس مع استمرارها وألفتها قد تشكل سحابة تحجب ومضات العقل ونبضات القلب وإشراقات الروح , ولا تصبح هذه الأشياء متاحة على شاشة الوعى إلا بالإخفاء المتناوب لحلات الشبع والتخمة على مستوى الجسد . فشئ من الحرمان الحسى يتبعه عطاء رغيد يمثله الإفطار عند أذان المغرب كنموذج مصغر لعطاء لا نهائى نعجز عن تخيله نناله يوم القيامة (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) , وبين هذا وذاك يستشعر الصائم ومضة سماوية فى قلبه وروحه تصل إلى قمتها فى ليلة القدر حين تتناغم موجته مع موجات السماء فيظهر ذلك دمعة فى العين وخشوعا فى القلب ورعشة فى الجوارح وانتعاشا فى البدن, تلك ولادة جديدة , وصفحة بيضاء ممدودة لتلقى الأعمال فى عام جديد .
وكما يقول الحكماء فإن "كل ما يضعف به جسدك تقوى به روحك" , فثمة علاقة عكسية بين تخمة الجسد وصحوة الروح , فتخمة الجسد تستدعى فوران الشهوات وضمور الهمة والروح , ولهذا قال تعالى : " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" .
وقد عدد عالم النفس الشهير ماسلو احتياجات الإنسان فى صورة هرم قاعدته الإحتياجات البيولوجية (الطعام والشراب والمأوى والجنس ) يعلوها الإحتياج للأمن , يعلوه الإحتياج للحب , يعلوه الإحتياج للتقدير الإجتماعى , يعلوه الإحتياج لتحقيق الذات , ولو أنفق الإنسان عمره وأعمارا فوق عمره لم يصل إلى إشباع كل هذه الإحتياجات المتعطشة والملحة والطامعة , وفى ذات الوقت فإن حالة من القناعة والرضا قادرة على ملء جنبات النفس بالسعادة , وهذا هو حال الزهاد فى الدنيا الذين سعوا إلى الله فملأ حبه كل جنبات حياتهم فلم يبق فيها احتياجا ملحا أو طمعا مذلا , فكان تطلعهم إلى الله وطموحهم إليه سببا فى استعلائهم واستغنائهم وتساميهم عما يقتتل عليه الناس من حطام الدنيا وتوافهها وزوائلها .
والصيام يؤكد أن أى شئ (عدا الله) يمكن الإستغناء عنه , وأن تعلقاتنا بالطعام والشراب والجنس ليست تعلقات مصيرية , بل هى مجرد وسائل لغايات أعلى وأعمق . وكثير من الناس يردد : لا أستطيع التوقف عن السجائر , لا أطيق الصبر على الشراب , لا أملك نفسى أمام امرأة جميلة , ويشكل حياته بناءا على هذه الحتميات , ويصنفها فيما لا طاقة له به , ويبرر لنفسه الإنغماس والتورط بناءا على فرضية عدم القدرة أو ضعف الإستطاعة , فيأتى الصيام ليؤكد له تهافت هذه الفرضيات ويؤكد له إمكانات الإستغناء والإستعلاء والسيطرة , فقط بشرط واحد حين تطمح النفس نحو الله فترى كل ما على الأرض وقد تضاءل . وقديما قال الشاعر :
والنفس راغبة إذا رغبتها               وإذا ترد إلى قليل تقنع         
 
معنى الحرام والحلال .. إعادة الدرس الكونى الأول :
لو كان الحلال والحرام يتحدد بعقل الإنسان ومنطقه وهواه , لما كان للتوقف عن الطعام والشراب والجماع فى نهار رمضان معنى , إذ قد يرى العقل فى استمرار هذه الأشياء إعطاء قدرة للإنسان على العمل والسعى وحتى على العبادة , أو قد يرى أنه لا معنى لتحريم الطيبات من الرزق فى أوقات وحلها فى أوقات أخرى . وهذه إشكالية وقع فيها أبونا آدم عليه السلام حين أبيحت له الجنة بكل ما فيها من نعيم , وحرمت عليه شجرة واحدة , فتحركت نفسه فضولا ورغبة إلى الشجرة المحرمة ونسى العهد حين تأججت هذه المشاعر والتعلقات فاشتاق قلبه ونظرت عينه وامتدت يده , وفى لحظة التمنى بالأكل والشبع والخلود والملك الذى لا يبلى يكتشف آدم أنه خسر كل شئ حتى ما كان يستر سوءته , واكتشف أن الشجرة ليست محرمة فى ذاتها , ولكنها محرمة بأمر خالقها وخالقه , وتعرف آدم وقتها على هذا الجسر الشفاف الذى يفصل بين الحرام والحلال , ومازلنا فى حاجة إلى أن نعى هذا الدرس الكونى الأول الذى تلقاه أبونا آدم نيابة عنا . ولم يترك الله آدم يضيع ضحية نسيان أو خطا فأكمل له الدرس بتعليمه كلمات التوبة كوسيلة للتطهر من ذنوب تطرأ نتيجة الطبيعة البشرية القابلة للفجور والتقوى . والصيام هو من أقوى العبادات التى توقظ الوعى بهذا الجسر الشفاف بين الحلال والحرام , فالطعام والشراب أمامك الآن , وهما من الطيبات فى العادة , وزوجتك الحلال بجوارك الآن وهى لك بحكم الشرع , ولكنك فى ذات اللحظة تبصر هذا الحاجز الخفي القوى يحول بينك وبين هذه الأشياء , وتدرك معنى الحرمة والحل وظروفهما فتستدعى فى وعيك الدرس الكونى الأول الذى تنساه دائما تحت وطأة الحياة وبريقها , والنفس وأطماعها , ووساوس الشيطان تغريك بهذا وذاك . 
إعادة البرمجة :
يتعرض الجهاز النفسى لاختراق الكثير من الفيروسات لبرامجه الأساسية والفرعية , وقد ينجح جهاز المناعة المضاد للفيروسات فى تنقيته من بعضها ولكن البعض الآخر يواصل تمكنه وتغلغله , وهنا تحدث تشويشات برمجية , بل قد توجه تلك الفيروسات نشاطات الجهاز النفسى لخدمة نموها ولتحقيق أهدافها فيصبح الإنسان مسخرا بكل طاقاته لخدمة عدوه ولتدمير ذاته .
ولهذا يحتاج الجهاز النفسى لنظام متجدد ونشط لمقاومة تسلل الفيروسات إليه , وربما لهذا (ولغيره) شرعت العبادات بمستوياتها المختلفة , فالصلاة تطهير ونظافة خمس مرات فى اليوم والليلة وقد يضاف إليها برامج تطهير إضافية ممثلة فى صلاة النوافل وهى تمثل خطا دفاعيا ثانيا يلتقط ما أفلت من الفيروسات لقصور فى بعض الفرائض . والصيام تطهير سنوى للفيروسات المزمنة التى اختبأت فى ثنايا الجهاز النفسى واستعصت على البرامج الأخرى , والزكاة برنامج خاص يطهر النفس من فيروسات البخل والشح والطمع والرغبة فى التملك بلا حدود , والحج برنامج شامل يمسح البرامج التالفة كلها ويهئ النفس لتلقى برنامج جديد تماما.
والتطهير وإعادة البرمجة يمران عبر طريق من الحرمان والسهر والصلوات وقراءة القرآن وقيام الليل والصدقات والدعوات , وذلك يستمر فترة طويلة نسبيا يعطى القدرة على التغيير الحقيقى للجهاز النفسى , وحين تصل الطهارة إلى غايتها ويتم تصحيح أخطاء البرمجة تصبح النفس قادرة على التواصل مع خط السماء , وتصبح مهيأة فى العشر الأواخر لبلوغ ليلة القدر , أى لالتقاط التردد الموجى للسماء بشكل صاف وواضح .
 
الإلتئام النفسى والإجتماعى :
تحدث بسبب تضارب الإحتياجات والمصالح والرغبات حالات شتى من التمزق النفسى والإجتماعى , وتأتى الفرصة فى رمضان مع كل ما ذكرناه من تغيرات فى داخل النفس وخارجها لكى يحدث الإلتآم النفسى وتداوى الجروح وتجبر الكسور . كما أن طقوس رمضان فى الإجتماع على الإفطار والسحور , والسمر "معا" والصلاة "معا" والصيام "معا" , كل هذا يساعد على التآم الكثير من العلاقات الإجتماعية التى تمزقت , فمن كانت بينه وبين أحد خصومة سيجد الفرصة مهيئة لديه ولدى الآخر لرأب الصدع ولم الشمل .
 
نعم الآن أستطيع :
كثيرا ما يقول الإنسان : لآ أقدر .. لا أستطيع .. فالجائع يدّعى أنه لا يصبر على الجوع , والعطشان يقول بأنه لا يصبر على العطش , والمدخن يؤكد عدم قدرته على التوقف عن التدخين .. ثم يفاجأ الجميع فى رمضان ومع الصيام أنهم قادرون على كل هذا , وهذا يكشف تهافت دعاوى العجز والخور والهزيمة , ويؤكد إمكانية الفعل واقتحام العقبات . ليس هذا فقط بل يشاء الله سبحانه وتعالى أن تحدث انتصارات عسكرية تاريخية للمسلمين وهم صائمون ليكون هذا دليلا على أن الإنسان لديه طاقات هائلة تتفجر بداخله حتى وهو فى حالة الجوع والعطش والحرمان , وهنا تتلاشى ( أو يجب أن تتلاشى ) كلمات مثل "لاأعرف.. لا أستطيع ...لا أقدر "