نقره 
لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها 
الطبيعي
أبناء الحاجة أم بكر الأسرى


"ارفع رأسك يا ابني.. وكِّل أمرك لله.. هذا قدرنا، أنا بخير وإن كنت سأموت هنا فهذا أجَلي وقدَري"، كلمات خرجت من قلب أمٍّ مرّت عليها سنوات طويلة من الألم والفراق، لتصل لقلب ابن أسير في غياهب السجون، أثقلته الهموم والشوق للأم الحنون.

"أم بكر بلال" اسم طالما تردد على المسامع، فأبناؤها معاذ وعثمان يقضيان حكماً بالمؤبد، وعبادة حكم عليه بالسجن عشر سنوات وهو ضرير.

وابنها الرابع بكر في الاعتقال الإداري منذ سنتين ونصف، كما اعتقلت زوجة عبادة "نيللي الصفدي" قبل شهور لتنضم لزوجها وأشقائه، أما سعيد ابن بكر فقد أفرج عنه قبل أيام بعد اعتقال دام خمسة شهور.

هكذا تتلخص حكاية اعتقال أسرة بلال في مدينة نابلس، فالسنوات تمضي وتخطف من الوالدة فلذات كبدها، اللذين لم يشاركوها حتى في تشييع جثمان والدهم الداعية الشيخ "سعيد بلال".

فراق وصبر
سنوات عمرها الخمسة والستين خطت على وجهها ملامح قوة امتزجت بالأمل بجمع شمل الأحبة من جديد، وبلهفة الأم على أبنائها.

وتقول أم بكر: "كأي أم في الدنيا أحزن على فراقهم وأتذكرهم في كل لحظة، عندما أضع رأسي على الوسادة أتذكرهم، عندما أمرض وأريد الذهاب للطبيب ولا أجد أحداً حولي أتذكرهم، في كل تفاصيل حياتي يشاركوني بصورهم وبذكرياتهم في البيت".

وتشير إلى أنها لا تتمكن من زيارة أبنائها سوى مرة واحدة في السنة بحجة "الرفض الأمني" من قبل الاحتلال.

وتضيف "بعد غياب سنة كاملة يسمح لنا بالزيارة لمدة 45 دقيقة، تأتي بعد رحلة سفر أشبه بالعذاب، وأرى أن السفر لأي بلد آخر أسهل من الذهاب لزيارة أبنائنا في السجون، فقد خرجت وسافرت لكني لم أرَ عذاباً ومشقة كالتي نواجهها خلال رحلة الزيارة إلى السجن".

وتتابع: "نتعرض للإهانات من قبل الجنود على الحواجز، والتفتيش المذل أكثر من مرة، والعبور عبر أجهزة إشعاعية، والتدقيق في الهويات عدة مرات، وتستمر رحلة الزيارة ذهاباً وإياباً أكثر من 14 ساعة".

وبشموخ تواصل حديثها:"نتحمل كل ذلك ونحن على يقين أن قضيتنا ووطننا وديننا يحتم علينا أن نصبر ونحتسب ذلك لوجه الله، فهذا قدرنا ومكتوب لنا أن نضحي بأحبتنا ونفارقهم، هذه ضريبة علينا أن ندفعها وفرض علينا لن نفرط به".

رسائل متباعدة
وسيلة التواصل الوحيدة بين الأم وأبنائها هي الرسائل التي تصل إليها بين فترات متباعدة، حيث يطمئنها الأخوة الأربعة الموزعين في سجني بئر السبع والنقب على أحوالهم،
نقره 
لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها 
الطبيعي
الشيخ سعيد مع ابنيه الأسيرين


ويحاولون رفع معنوياتها بكل كلمة يخطونها.

وفي رسائلهما الأخيرة كتب معاذ وعثمان لوالدتهما: "أمي الغالية.. إن لم نلتق بالدنيا، سنلتقي على حوض الكوثر في الجنان إن شاء الله".

وتكتمل فصول معاناة العائلة، عندما اعتقلت "أم بكر" قبل شهور، حيث اقتحمت قوات الاحتلال منزلها في منتصف الليل واعتقلتها لتترك المنزل خالياً.

وتتحدث الأم حول اعتقالها: "لم أتمكن من الاجتماع بأبنائي في منزلنا، فجمعنا القدر في زنازين التحقيق، حيث كان اعتقالي من باب الضغط عل أبنائي وزوجة ابني عبادة".

وتضيف:"أحضروا أبنائي الأربعة من سجون مختلفة، وأسمعوهم صوتي خلال التحقيق معي، مما أقلقهم جداً على صحتي، حيث عانيت وقتها من هبوط حاد في الضغط، ومكثت أربع ساعات في العيادة الصحية حتى تمكن الأطباء من رفع ضغطي، وكانوا يقولون لأبنائي أمكم ماتت، لكن أفرج عني بعدها".

وتقول أم بكر: "بعد قرار الإفراج سمحوا لي أن أرى ابني الضرير عبادة، دخلت على زنزانته فوجدته بحالة يرثى لها من قلقه على صحتي، فصرخت بوجهه قائلة:"ارفع راسك يا ابني.. وكِّل أمرك لله.. هذا قدرنا، أنا بخير وإن كنت سأموت هنا فهذا أجَلي وقدَري، اصبر وتحمل وكن على يقين أن الله معنا".

ومع حلول يوم الأسير وجهت أم بكر رسالة إلى أمهات الأسرى جميعاً قائلة: "أبناؤكن لم يخطئوا أبداً، هذا وطننا وهذا محتل يجب أن نقاومه، معظم الأسر الفلسطينية عانت الاعتقال أو الاستشهاد".

وأضافت "هذه ضريبتنا التي علينا تسديدها لتحرير أرضنا، فرضت علينا فرضاً وليس اختياراً منا، واجبنا الديني والأخلاقي يحتم علينا ذلك، البكاء لن يعيد لنا أبناءنا، لكن اللجوء إلى الله وحده والإيمان بالقضاء والقدر والصبر على ما نلاقيه هو ما نتمسك به دائماً".

وبيقين قلب الأم المشتاق تقول: "لم أقطع الأمل طوال هذه السنوات أبداً، فلا بد أن ألتقي بهم في يوم من الأيام، إن لم يكن في الدنيا فعلى حوض الكوثر".