الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

الثلاثاء، 22 يناير 2013

صرخة هاني خليفة .. الجميل والقبيح، مفارقات وتضاد

تلك العبارة أن الناجحين في الحياة الراهنة -يومئذ- هم أولئك الذين يجيدون إتقان العمل وفقاً لهذه المهمة غير الصعبة، فأية صعوبة -كما كان يقول- في أن تعمل على تحسين ما هو قبيح في حياة الناس وتقبيح ما هو حسن في حياتهم. كلمات قليلة لا قيمة لها ولا وزن، مجردة من أي معنى للصدق والموضوعية كافية بأن تقلب الحقائق وأن تضفي صفة الجميل لما لا جمال فيه وصفة القبيح لما لا قبح فيه، وهذه الكلمات القليلة كانت كافية لتحمل البعض إلى المكان المرموق وتجعلهم يزدادون وجاهة كلما أمعنوا في إغداق الصفات الجميلة على كل قبيح وفي الإمعان في الافتراء على كل جميل. تذكرت أستاذي الراحل الدكتور مهدي علام في هذه الأيام وتذكرت عبارته التي لا تنسى والتي كان يختزل بها انفعالاته النادرة ولا يرددها إلاَّ عندما يكون الغيظ قد وصل معه إلى مدى لا يمكن حبس ردود أفعاله. أقول تذكرته وأنا أقلب صفحات كتاب «تحسين القبيح وتقبيح الحسن» للعالم اللغوي العربي أبي منصور الثعالبي وهو واحد من الكتب التي سجّل فيها هذا العالم الجليل طرفاً من اهتمامه الواسع باللغة العربية، وبراعتها في وصف الشيء ونقيضه واقتدار بعض مبدعيها على اكتشاف المفارقات في معاني الأشياء وقضايا الوجود، وهي براعة لم تكن قد تخلت عن القيم الموضوعية ووصلت إلى درجة من الإسفاف والانحدار جعلت أستاذنا الدكتور مهدي يرميها بأقسى الألفاظ. ولكي نتبين أبعاد ما كان عليه تحسين القبيح في الكتابات العربية القديمة كما توقف عندها وسجّلها العلامة الثعالبي، وما هو شائع في عصرنا من الإشادة بالقبح الأخلاقي والفكري أحاول إيراد نماذج مما وعاه الكتاب المذكور، ومنها هذا النموذج في مدح الفقر أو تحسينه، وهو من الحالات التي تواضع الناس على تقبيحها، وقد عدّه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كفراً لأنه قد يدفع بعض الفقراء إلى ارتكاب الجرائم والخروج عن جادة الصواب. يقول الثعالبي في باب تحسين الفقر: «كان يقال: الفقر شعار الأنبياء والصالحين، وكذلك قال البحتري: فقر كفقر الأنبياء وغربهٌ وصبابة، ليس البلاء بواحد وقال بعض الحكماء: الفقير مخفٌّ آمن ولا عدو له، والغني مثقل خائف ولا تحصى أعداؤه. ومن أحسن ما قيل في هذا الباب قول أبي العتاهية: ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر وقول محمود الورّاق: يا عاتب الفقر، أما تزجر عيب الغـنى أكـبر لو تعتبر من شرف الفقر، ومن فضله على الغنى لو صح منك النظر أنك تعصي الله تبغي الغنى ولست تعصي الله كي تفتقر أما في تقبيح الحسن ونماذجه كثيرة في الكتاب فسأكتفي بأنموذج واحد في تقبيح العلم، يقول الثعالبي في هذا الصدد: من أمثال أهل بغداد «جهل يعولني خير من علم أعوله. وفي ذلك يقول بعضهم: وما أصنع بالعلم إذا أعطيتُ بالجهل ومن أمثالهم: «كف بخت خير من كنـز علم» . ومن أشعارهم: المال يستر كل عيـبٍ في الفتى والمال يـرفـع كل نـذلٍ ساقطِ فعليك بالأموال، فأقصد جمعها واضرب بكتب العلم عرض الحائط وفي تقبيح الشجاعة يورد الثعالبي ما ينفّر منها نثراً وشعراً ومن ذلك قوله: قال بعضهم الشجاعة تغرير بالنفس، والتغرير مفتاح الهلكة، وكان بعضهم يقول: الفرار في وقته ظفر. وقال محمد بن أبي حمزة العقيلي مولى الأنصار: قامت تشجعني هند، وقد علمت أن الشجاعة مقرون بها العطبُ يا هند لا والذي حج الحجيج له ما يشتهي الموت عندي من له أدب هكذا كان الأقدمون يحسِّنون القبيح من الأشياء ويقبِّحون الحسن منها، في إطار من الذكاء والمفارقة القابلة للتفكير، وكانوا يدركون كيف يلتقطون المفارقات بحس إنساني خالٍ من تحسين الشر للشر ذاته أو تقبيح الجميل لذاته، وإنما لخصائص معينة تجعل الجميل في بعض الأحيان قبيحاً والقبيح في بعض الحالات جميلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق