الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

الثلاثاء، 12 مارس 2013

صرخة هاني خليفة ..نهاية رجل ليس شجاعاً

في زنزانته، سيجد ميشال سماحة ما يكفي من الوقت ليفكّر في فعلته الغريبة التي لم يجرؤ سياسيٌ وصل إلى ما وصل إليه السجين المهمّ، على القيام بمثلها.

ومع أنه على الأرجح سيمضي وقتاً طويلاً في هذه الزنزانة، إلا أنه لن يجد جواباً عن السؤال الذي سيظل يجول في خاطره: كيف أمكنه الخلط بين السياسي وبين الإرهابي الذي يجلب المتفجرات بنفسه ويوزعها، ويخطط لأماكن تفجيرها، ويكاد يفجرها بنفسه؟

السياسيون اللبنانيون ليسوا أبرياء وليسوا معروفين بالأخلاق العالية حكماً، لكن أقلّهم ذكاءً سيكون أكثر حذراً من أن ينفّذ المؤامرات بنفسه، وأن يقع إلى هذه الدرجة في الجرم المشهود.
ميشال سماحة، الذي يواجه اليوم تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام، وقع في شرّ ذكائه، أو تذاكيه. لا شك أن الرجل الفارع الطول، الذي ولد في السياسة كتائبياً، ونشط وبرز في الحزب متسلقاً درجاته من الطلاب إلى المناصب الأعلى، هو واحد من أولئك الذين ينظرون إلى أنفسهم، كأشخاص أكثر أهمية بكثير من الأحزاب، ومن الزعامات كلها.

من يعرف سماحة، يحكي عن اعتداده الهائل بنفسه، هذا الاعتداد الذي يلامس غروراً، إذا ما ابتلي به زعيم كبير نكب شعوباً وأمماً، أما إذا ابتلي به سياسي صغير ليس مقدراً له ان يكبر يوماً، فلن ينكب إلا نفسه. والسياسة، كما العقائد، تُدوّر زواياها في فكر رجل مثله، لتتسع في قوالب مصلحته الشخصية التي تصير، وحدها، سبب كل حروب بقائه.
عدة العمل السياسي موجودة: عبوسٌ يدّعي جدّية مطلقة، ولغة منمّقة فيها الكثير من مدرسة كريم بقرادوني، الصديق الأبدي، والمنظّر السياسي للعديد من المرتدّين عن خطّي "الكتائب" و"القوات". أما الباب إلى الجنة، فهو هو، منذ عقود، آل الأسد. وقد بكّر سماحة في الوقوف أمام الباب، وبكّرت العائلة وأجهزتها الحاكمة في فتحه، واحتضان الرجل الذي برهن خلال سنوات مجده كوزير بأنه مستعد ليس فقط لتنفيذ ما يطلب منه، بل في التفوق على البعثيين في بعثيتهم، مغلّفاً أفعاله برصانة وهدوء وترفّع وما إلى هنالك مما تتطلبه طلة السياسي الذكي. 
تاريخه، بهذا المعنى، ليس مفصولا عن تاريخ التدخل السوري في لبنان. عزّز علاقاته مع السوريين مع الحرب الأهلية اللبنانية، خصوصًا بعدما صار بقرادوني أحد مستشاري الرئيس الراحل الياس سركيس. وكان أحد أبرز صلات الوصل بين بعبدا ودمشق. وفي عهد الرئيس أمين الجميل أطلّ سماحه مجدداً على الواجهة السياسية من نافذتين: الاتصالات مع النظام السوري ورئاسة مجلس ادارة تلفزيون لبنان. 
وما إن انطلقت سلسلة الانتفاضات في المنطقة المسيحية حتى انبرى سماحة ليؤازر قيادة القوات برئاسة الوزير الراحل ايلي حبيقة وبقرادوني في تحقيق تقارب سريع جداً مع النظام السوري. وكانت ثمرته الاتفاق الثلاثي الذي سقط بانقلاب في قلب "القوات" قاده سمير جعجع وانتهى بإخراج حبيقة وسماحه والوزير الياس المر وأبرز مساعديهم من المنطقة الشرقية.

بعد هذه الانتفاضة في 15 كانون الثاني 1986 عاد سماحه الى مسقط رأسه في الجوار في المتن الشمالي التي كانت تخضع يومها للنفوذ العسكري والأمني السوري المباشر.
وبعد اقتحام الجيش السوري لقصر بعبدا والمناطق المسيحية في 13 تشرين الاول 1990 كان سماحة في طليعة المسيحيين الذين غطوا السلطة السياسية والأمنية التي أرساها الرئيس حافظ الاسد في لبنان.

انتخب سماحة نائباً عن المتن في العام 1992، في ظل مقاطعة مسيحية شاملة للإنتخابات النيابية. وعاد سماحة لخوض الانتخابات النيابية عامي 1996 و2000 الى جانب الوزير الراحل نسيب لحود لكنه لم يخرق لائحة المر في المتن.
وكان سماحة أحد المؤسسين لحركة التجدد الديمقراطي في العام 2001 لكنّه لم ينعطف ناحية التيارات السيادية التي انطلقت مجدداً وأحدثت التحالف بين الاحزاب والشخصيات المسيحية تحت عباءة الكاردينال الماروني نصرالله صفير وبين رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط وسائر القوى الديمقراطية من مختلف الطوائف، وكان للرئيس رفيق الحريري نصيبه في توطيد كل هذا التلاقي الوطني الاسلامي المسيحي. 
في العام 2002 وقع الفراق بين سماحة ونسيب لحود بفعل الدعم الذي قدّمته حركة التجدد للمهندس غبريال المر الذي ترشّح عن احد المقعدين الارثوذكسيين في المتن بعد وفاة النائب ألبير مخيبر، فتوحّدت القوى المسيحية السيادية وفاز المر يومها وسقطت ميرنا أبو شرف، ليخسر المر مقعده زوراً ويصدر قرار إقفال محطة "أم تي في"، ويتفرج سماحة من شرفته على إغلاق المحطة. 
رجل سوريا القوي في لبنان، كان من أبرز الذين أسهموا في التمديد للرئيس اميل لحود في العام 2004، وكانت علاقته بلحود وقادة الأجهزة الامنية ورموز الحقبة السورية متينة جداً، وخاصة بصديقه المقرّب اللواء المتقاعد جميل السيد، الذي يتفاخر بأنه عقل أمني، وقد رافق سماحة من سوريا إلى بيروت في سيارة ملأى حتى الجمام بالمتفجرات، وسجّل كل كلمة قالها في السيارة، من دون أن تراود هذا الأمني أدنى شكوك بصديقه. 
وبلغت ثقة بشار الاسد بسماحة أن عيّنه مستشاراً، فكان أقرب المقربين الى كبار المسؤولين الأمنيين في سوريا ولعب دوراً بارزاً في الاتصالات بين دمشق وبعض الدول وفي طليعتها فرنسا. 
كما بلغت ثقة أمنيي حزب البعث أن حمّلوه أمانة كي يوصلها إلى بلده، فيعيث فيه تفجيراً وقتلاً. وهي مهمة لا تحتاج إلى أدنى شجاعة لتنفيذها، ما دامت لا تنفذ، ولا يحكى فيها، إلا سكراً وفي الاقبية المعتمة، ويخفي أصحابها أنهم يقومون بها أمام أقرب الناس إليهم، أولادهم مثلاً، لأنهم يستحون بأنفسهم.
لم يكن ميشال سماحة رجلاً شجاعاً طبعاً. لطالما ظنّ نفسه أذكى من أي مخلوق آخر، حتى وصل به الاستسهال بذاته إلى أن حمل المتفجرات وأموالها بنفسه، ونقلها، بل واحتفظ لنفسه بقسم من المال الذي أعطاه إياه أمنيو البعث، في دليل على القدرة العميقة التي يملكها في خيانة من أبقوه كل هذه الأعوام في الحياة السياسية، ليساهموا في نهايته الاخيرة، نهاية رجل ليس شجاعاً قط، بل مجرد متهم بالارهاب. 
إما الإفراط في التذاكي، فوصل إلى ما كان متوقعاً: ما زاد شيء عن حدّه إلا وأدى إلى عكسه. وفي حالة سماحة، أوصله ذكاؤه إلى طلب الإعدام له، ولم يجد إلى جانبه صديقاً واحداً يدافع عنه، حتى جميل السيد، الذي كان أول من دافع عنه، وأول من أنكره، بعدما علم أنه فعلاً جلبه معه من دمشق إلى بيروت، في برميل من المتفجرات كان يمكن لغلطة واحدة أن تبخرهما معاً في الهواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق