الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

الأحد، 26 مايو 2013

صرخة هاني خليفة ... الأغنية التلفازية في زمن الفن القبيح ..بين قيم البناء ومعاول الهدم


أصبحت الأغنية تحتل مساحة واسعة بين البرامج التلفازية، حيث يتم بثها سواء بصورة مباشرة أو من خلال البرامج الدرامية والحوارية والإعلانية، وقد أسهمت التقنيات الحديثة في العمل التلفازي في تطوير هذا القالب الفني >الأغنية< ـ واستطاع الإعلاميون توظيف هذه التقنيات لجذب المشاهد وشد انتباهه والتأثير عليه·
إلا أن المعطيات الجديدة في فن الغناء عبر الشاشة الفضية تركت آثاراً كبيرة، وأحدثت ردود فعل سلبية على المشاهد كما أكد خبراء التربية وأساتذة العلوم النفسية والسلوكية وعلماء الدين، أنهم يرون أن الأغنية التلفازية أصبحت مجوناً واستهتاراً وانغماساً في اللهو والعبث، وأن معظم هذه الأغاني التي تعرض حالياً لم تقدم شيئاً يفيد، لأن معانيها أصبحت فارغة، وكلماتها سطحية، وأداءها يسهم في انحراف الشباب وإفساد الصبية، وإغراقهم في اللهو، ودفعهم إلى مستنقع العبث والفوضى والحزن واليأس والقنوط على تفاهات الحياة، ولا سيما بعد توظيف أسلوب >الفيديو كليب< في تقديم الأغاني، التي يتم من خلالها استعراض مفاتن المرأة وسلوك الساقطات، وتخنث الشباب، فهي تكشف عورات النساء بصورة مهينة من خلال عرض الأجساد العارية بصورة رخيصة، ولا سيما إذا صاحبها الرقص الخليع والحركات المثيرة، والإثارات الجنسية الفاضحة·
فهل هي دعوة للانحراف وحض على المعصية، وإباحة للمنكرات؟ تؤكد البحوث العلمية التي أجريت في هذا الصدد أن الأغنية التلفازية انحدرت إلى مستوى هابط من الإسفاف في الكلمات والمعاني، وفي اللحن والأداء مما كان له أكبر الأثر في تدني القيم وانهيار الأخلاق، وحض الشباب والفتيات على الخروج عن السلوكات الراشدة والقيم العالية، لأن الغناء بهذه الطريقة لا يعدو أن يكون موضوعاً للعشق والغرام، ولا يتضمن أي معنى إنساني مفيد·
وقد ازدحم التلفاز العربي بالأصوات الصاخبة والأغاني الهابطة، وما صاحب ذلك من مشاهد تخدش الحياء، وقد فطن منتجو هذا اللون من الأغاني الهابطة إلى توليفة سحرية تخطف عقول الشباب لا علاقة لها بفن الغناء، وذلك من خلال تقديم فتاة شقراء متحررة من كل القيود، تجيد الرقصات المثيرة، وتتفنن في إبراز مفاتنها عبر ملابس تكشف أكثر ما تستر، ترافقها الموسيقا الصاخبة التي تعتمد على مجسمات الصوت والميكروفونات الحساسة، والمؤثرات الصوتية، حتى أصبحت موجة تراقص الفتيات شبه العاريات أهم من الأغنية نفسها، وتتهافت القنوات الفضائية والأرضية على هذه المشاهد، وأصبح طريق الوصول إلى الأذن العربية لا يكون إلا بكثرة النساء شبه العاريات، والصور الماجنة الخالية من كل حياء، وغدا الشباب يرقص ولا يسمع أو يفهم، وانتشرت الكلمات التي تحارب اللغة العربية وتقضي على الموسيقا الشرقية ضاربة عرض الحائط بالمبادئ الإنسانية والقيم الإسلامية والأخلاقية العربية·
وفي الحقيقة أن الأغنية التلفازية يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً إذا تم توظيفها بصورة صحيحة لخدمة قضايا الأمة، وزرع معاني الفضيلة والأخلاق، وبناء الوجدان، وتأديب النفس، وبناء الفكر، وتنقية الروح، بما تملكه من قوة جذب وتأثير على العاطفة، وتخاطب العقل الإنساني فترتقي بالفرد وتسمو بمشاعره وأحاسيسه لأن الصوت الحسن يجري في الجسم مجرى الدم في العروق، فتنشرح له النفس، ويرتاح له القلب، وتهتز له الجوارح·
ويرى الخبراء المعنيون بهذا الأمر، أن الغناء والموسيقا يمكن أن يعالجا كثيراً من الأمراض النفسية والعصبية، فإذا طرقت بعض الأنغام آذان المرضى، فإنها تسهم في علاج حالات التشنج وتقلص الأعصاب وضيق التنفس، ولذلك استخرج الأطباء منها الكثير من الألحان، منها لحن يسكن الحزن ويخفف الهم، وآخر يشحن الهمم ويشرح الصدر، كما استخرجوا ألحاناً تهدئ من روع الأطفال، وتجلب لهم النوم والراحة، وتصفي أرواحهم، وترقق نفوسهم، ولذلك استخدمه القادة والزعماء في ساحات القتال لشحن الهمم وتحريك المشاعر ودفع الجند إلى خوض غمار الحروب والبلاء في المعارك، ولا سيما أن للصوت الحسن سحره وتأثيره في النفس البشرية إذا اقترن بمعان نبيلة ومقاصد عالية·
وهذا يعني أن النغم الرقيق واللحن الجميل قادر على أن يسمو بمواطن النفس البشرية، فيحرك كوامنها، بل إنه يمتد إلى العقل فيؤثر في قراراته، ويمتد إلى الروح فيمكنها من استشراف أشواق عليا ومعان سامية تربط الإنسان بخالقه، وتقوي عقيدته، وتجلي فطرته، ويمتد إلى الجسم والجوارح فيجعلها تتحرك في اتجاه إيجابي·
إلا أن بعض الأنغام قد تحدث عكس ذلك تماماً فتطمس فطرة الإنسان وتقطع علاقته بربه كما هو الحال في الكلمات القبيحة، والأصوات الصاخبة والألفاظ الوحشية، وما يدل على قوة تأثير الغناء في النفوس ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لـ>حسان بن ثابت<:>والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غلس الظلام<، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: >إن تأثير الغناء في القلب تأثير محسوس، ومن لم يحركه فهو ناقص، مائل عن حد الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع<·
وقد نشأ الغناء في الحضارات القديمة مواكباً للدين وملازماً له، اتخذه الكهنة وسيلة تحفظ الإنسان من القوى الشريرة، وتقربه من الأرواح الفاعلة التي اعتقدوا أنها تسيطر على الإنسان، وذلك طمعاً في كسب رضاها، وتجنباً لسخطها، وتهدئة لغضبها، وكان الغناء جزءاً لا يتجزأ من أدب هذه الحضارات، وذلك من خلال الأناشيد والترانيم، وأغاني الحب والعمل والحرب، وفي أوقات الأفراح والأزمات·
وتدل حقائق التاريخ على أن الأدب نشأ أول ما نشأ في أحضان الغناء، ويذكر أهل السير أن آدم حين حزن على مقتل ابنه >هابيل< قال فيه ما معناه:
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي لون وطعم
وقل بشاشة الوجه المليح
وقد انتشر الغناء في أمات القرى العربية وذلك في العصر الجاهلي في مكة ويثرب والطائف، وخيبر، واليمامة، ودومة الجندل، وكان العرب الجاهليون يغنون بمصاحبة الدفوف، إلا أنه كان غناء ماجناً ملازماً لشرب الخمر والحض على القتال، والأخذ بالثأر، وبث الكراهية، وغير ذلك من القيم السلبية·
ولم يغفل العرب والمسلمون الأوائل أثر الصوت الجميل في تلاوة القرآن الكريم، وفي الأذان للصلاة، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: >ما أذن الله لشيء إذنه حسن الصوت يتغنى بالقرآن<، كما قال: >زينوا القرآن بأصواتكم<، وكان يأمر بلالاً أن يؤذن للصلاة لأنه كان ندي الصوت، وكان يسمع الغناء في بيته أيام العيد، وهذا يؤكد أن الغناء كان موجوداً في صدر الإسلام في المناسبات الاجتماعية وفي أثناء السفر إلخ···، إلا أنه كان غناء نقياً عفيفاً وهادفاً، ومليئاً بالقيم والمبادئ، دافعاً إلى مكارم الأخلاق، ومحمود الخصال، وظل الغناء يؤدي دوره في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ولكنه كان يختلف عن الغناء الجاهلي سواء في العصور القديمة أو في العصر الحديث، لأن الإسلام وضع للغناء من الضوابط ما يكفل له القول النافع والصوت المؤثر واللحن الشجي، وما يحقق له الأثر الطيب في القول والعمل، إنه التغني بحب الله والشوق للقائه لأن الله جميل يحب الجمال·
وإذا كان أعذب الشعر أكذبه عند الجاهليين، فإن أعذب الشعر أصدقه في الإسلام، وهو الشعر الذي يحمل معاني الصدق والأمانة والأخلاق الفاضلة، وغير ذلك من المثل العليا والقيم النبيلة، أما الغزل المكشوف والحب الفاضح الذي يتغنى بما حرَّم الله، والذي يزرع في الشباب القيم السلبية كالقلق والهجر والفراق والعتاب، والذي يتغزل في المرأة، فإنه ما يفسد القلب ويذهب العقل ويزرع الأمل والأحلام غير الصحيحة، وكذلك المدح والذم في غير محله، والفخر والتباهي بما لم يفعله المرء، والنواح المذموم، والغزل المكشوف، وهو ما لا تبيحه القيم الدينية والأخلاق العربية· ... أخوكم هاني خليفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق