الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

السبت، 5 أكتوبر 2013

إرشاد إخوة المعاق بالسيكو دراما ... صرخة هاني خليفة ( hany khalifa cry )



يمثل الطفل ذو الاحتياجات الخاصة عائقا فى حياة إخوته وأسرته. ويبدو هذا واضحا أكثر فى الأوساط الشعبية التى ينتشر فيها الفقر والأمية، وتقسو الظروف على الجميع، وخاصة على الأطفال الذين يجدون أنفسهم محرومين من أبسط أشكال الرعاية. فالزواج يتم بصورة لا تراعى فيها الشروط الصحية التى تضمن إنجاب أطفال أسوياء. وظروف الأسرة وإمكانياتها المادية لا تمكنها أيضا من ضمان هذه الشروط لأبنائها أو تحسين الظروف التى يعيشون فى ظلها. والآباء والأمهات يجهلون أبسط المبادئ والقواعد المتعلقة بالتعامل مع الأطفال بشكل عام وخاصة مع المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة الذين يمثلون عبئاً مادياً ونفسياً ثقيلا على آبائهم وإخوتهم، سواء فى الأسر الفقيرة، أو حتى فى الأسر الغنية، مما يستدعى التفكير فى الطرق التى نستطيع بها مساعدة هذه الأسر فى تحمل أعبائها والتعامل مع أطفالها المعاقين بما يساعد على التخفيف عنهم وقبول الآخرين لهم.
والإعاقة ليست مشكلة خاصة بالمعاقين وأسرهم. وإنما هى مشكلة يواجهها المجتمع كله. فالمعاقون أو ذوو الاحتياجات الخاصة تتراوح نسبتهم فى بعض المجتمعات العربية بين 2% و 3% من السكان كما جاء فى دراسة للدكتور/ هشام الشريف عن "الإستراتيجية القومية للتصدى لمشاكل الإعاقة فى مصر".
والإعاقة من جانب آخر ليست نوعا واحدا. فالإعاقات العضوية السمعية والبصرية وغيرها تختلف عن الإعاقات الذهنية أو العقلية. كما أن درجات الإعاقة تختلف، وتختلف تأثيراتها، وتختلف بالتالى أشكال التصدى لها.
والشعور بالإعاقة وبتأثيراتها يختلف حسب درجة القرب أو البعد من الشخص المعاق. شعور الإخوة وبقية أعضاء الأسرة بالإعاقة التى يعانى منها أحد أفرادها غير شعور الآخرين الذين لا تربطهم بالشخص المعاق رابطة خاصة. وفى هذا يقول الباحث الأمريكى هاردمان Hardman أنه لا يوجد وسط يتأثر بوجود طفل معوق أكثر من الأسرة. فولادة طفل متخلف عقليا قد تغير من كيان الأسرة. واستجابات أعضائها وتفاعلهم بعضهم مع بعض، ومع الطفل المتخلف عقليا.
من هنا كان التركيز فى هذا البحث على إخوة المعاق وعلى الأساليب والوسائل التى نستطيع بها إرشادهم ليتقبلوه ويساعدوه على التغلب على إعاقته والتخفيف من تأثيراتها السلبية وتنمية قدراته والاندماج فى حياة الأسرة وحياة المجتمع.
الإعاقة وإخوة الطفل المعاق:
ويعتقد معظم الباحثين فى مشكلة الإعاقة أن إخوة الطفل المعاق يشاركونه معاناته، أو يعانون مشكلته أكثر منه، ويستطيعون أن يساعدوه أكثر من غيرهم، ولكنهم يحتاجون إلى الخبرات والإرشادات التى تمكنهم أولا من التغلب على معاناتهم الشخصية، وتمكنهم بالتالى من مساعدة أخيهم المعاق.
وقد تصدى لبحث هذا الجانب عدد من الأساتذة المتخصصين منهم الدكتور عبد المطلب القريطى الذى يرى أن وجود الطفل المعاق فى الأسرة "له تأثيرات سلبية على توافق إخوته بسبب ما تفرضه بعض الأسر على نفسها من عزلة تحد من فرص اندماج إخوة الطفل واختلاطهم بالآخرين فى الحياة والمناسبات الاجتماعية، وربما بسبب تململ إخوة الطفل وامتعاضهم من الانشغال المستمر للوالدين بهموم الطفل واهتمامهما برعايته".
ويقول الدكتور إبراهيم مرسى فى كتابة "مرجع فى علم التخلف العقلى" إن إخوة الطفل المتخلف "قد يتأزمون أكثر من والديهم بسبب قلة الخبرة وعدم النضج وكثرة الأسئلة التى تجول فى عقولهم عن تخلف أخيهم. وكلما كبر الإخوة والأخوات زاد خوفهم من نظرة المجتمع إليهم وإلى أخيهم. وقد يشعرون بالحرج الاجتماعى، ويجدون صعوبة فى التوافق مع الناس ويبتعدون عن الأصدقاء". كما أشار باحثون آخرون إلى أنه عادة ما يشعر أشقاء الأطفال غير العاديين بالمشاعر نفسها التى يشعر بها الآباء ويكونون مثلهم مثقلين بالهموم، ومشغولين بتساؤلات عديدة تبحث عن جواب من مثل: لماذا حدث ذلك؟ وماذا سأقول لأقرانى عن حالة أخى؟ وهل سيتعين على العناية به طوال حياتى؟ وهل ستختلف حياتى المقبلة نتيجة هذا الحدث؟
هذه الأسئلة تشير إلى مجموعة من الإرشادات التى يحتاج إليها إخوة الأطفال المعوقين، ومنها حاجتهم إلى معرفة كل ما يتعلق بالإعاقة من معلومات، وطرق التكيف معها، بالإضافة إلى فهم متطلبات الطفل المعاق والتدريب على الأساليب التى يمكن التعامل معه من خلالها. وفى هذا المجال تلعب الثقافة والفن دورا خطيرا سواء فى الإجابة على أسئلة الأخوة ومساعدتهم فى التغلب على معاناتهم والتكيف مع ظروف الإعاقة ومواجهة تأثيراتها السلبية عليهم، أو فى علاج الأخ المعاق ومساعدته فى كسر الحواجز القائمة بينه وبين الآخرين والاندماج فى حياتهم.
ما الذى تستطيع الثقافة والفنون أن تقدمه للطفل المعاق وأخوته؟ وما هى الأساليب والوسائل التى يمكن من خلالها سد الفجوة بين المعاقين وذويهم؟ وكيف نقدم إرشادا ثقافيا وفنيا لعلاج هذه المشكلة؟
دور الثقافة فى علاج الإعاقة:
لاشك أن الثقافة عامة تساعد على فهم الأسباب المؤدية للإعاقة، كما تساعد على قبول المعاقين والتعاطف معهم وتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم وتنمية قدراتهم والاندماج بقدر الامكان فى المجتمع الذى يعيشون فيه.
والثقافة التى نقصدها هنا لها معنيان! الأول هو الثقافة العامة، أى الاستنارة، والعقلانية، وسعة الأفق، ورحابة الصدر، وقبول الآخرين. وباختصار كل ما يجعل الإنسان قادرا على التعامل مع غيره من البشر بفهم وإدراك ورغبة فى تحسين شروط الحياة بالنسبة للجميع، والتعاون مع الجميع لصالح الجميع.
والمعنى الآخر للثقافة المقصود هنا هو المعنى العلمى المتمثل فى الثقافة النفسية التى تستطيع أن تخضع الإعاقة للبحث العلمى، وأن تزود المجتمع عامة والأسرة خاصة بالمعلومات والخبرات التى تساعد الجميع على التعامل مع المعاقين بما يجعل الأسرة مهيأة نفسيا وماديا لقبول الطفل المعاق وتوفير أفضل الشروط التى تساعده على مقاومة إعاقته، وتنمية قدراته، والاندماج فى مجتمعه الصغير والكبير.
ومن المعروف أن البيئات الشعبية خاصة فى بلادنا تميل إلى تفسير الإعاقة بشكل عام، والإعاقة الذهنية خاصة تفسيراً بعيداً عن الواقع، لأن المدارك قاصرة، والصدمة عنيفة، والتفسير الوحيد المتاح فى هذه البيئات هو التفسير الخرافى. والإعاقة فى هذا التفسير تكون نوعا من العقاب الذى حل على الأسرة أو على هذا الطفل بالذات، والمعاق ذهنياً يبدو وكأنه ممسوس، أو خاضع للأرواح الشريرة.
وهذه النظرة الخرافية، تحول بين المعاق وبين المجتمع عامة وإخوته وأسرته بشكل خاص، وتجعله كائنا مخيفا يتجنبه الجميع، وتعرضه لأنواع من الأذى والقسوة الشديدة، وتحرمه من عطف أسرته ومن الاتصال بالآخرين.
ومن الطبيعى أن تنعكس معاملة الأسرة لطفلها المعاق بهذه الطريقة على الأسرة نفسها، إذ يشعر أفرادها بالذنب لأنهم يعاملونه بهذه الفظاظة الوحشية، أو يشعرون بالنقص لأن لهم أبنا معاقا يطلقون عليه أسماء مهينة تعرضه للسخرية وتنتقص من قدره.
وقد تبالغ بعض الأسر، خاصة الغنية، فى تدليل أبنها المعاق وتعامله بطريقة تحرمه من الاعتماد على نفسه وتشعره دائما بالحاجة إلى غيره، وتشعر إخوته وأهله عامة بأنه عالة عليهم. وتكون النتيجة مماثلة لما تسببه المعاملة القاسية، وهى عزلة الطفل المعاق، وعجزه عن الاندماج. وفى كلتا الحالتين تلعب الثقافة التقليدية السائدة دورا سلبيا لابد من معالجته بثقافة أخرى تقدم المعلومات الحقيقية والتفسيرات الصحيحة والإرشادات المفيدة للمجتمع عامة وللأسرة المعنية بشكل خاص.
والحاجة إذن ماسة لتفسير موضوعى للإعاقة يجعلها مفهومة ويخرجها من إطار التفسيرات الخرافية. هذا التفسير الموضوعى هو الأساس الذى نبنى عليه برنامجا مزدوجا للتعامل مع الطفل المعاق من ناحية لمساعدته وتعليمه وتدريبه على الاندماج، وللتعامل من ناحية أخرى مع المجتمع والأسرة والأخوة لمساعدتهم فى التعامل بإنسانية وفهم مع الطفل المعاق وقبوله واحتضانه والتخلص من الشعور نحوه بالذنب أو بالنقص.
العلاج النفسى ودور الأسرة:
لكن الإعاقة لها نتائج لا تنفع معها الثقافة وحدها أو الإرشاد وحده فى بعض الأحيان، وإنما تحتاج فوق ذلك إلى العلاج النفسى على يد أطباء نفسانيين محترفين أو على يد أفراد الأسرة الذين يمكن أن يساعدوا الأطباء ويكملوا عملهم. وفى هذا يقول الدكتور عبد المطلب القريطى فى كتابه "سيكولوجية ذوى الاحتياجات الخاصة وتربيتهم": "أما الخدمات التى تتعلق بالوالدين والأسرة كمشاركين فى علاج الطفل وتعليمه، أو كميسرين لعمل الأخصائيين فتشمل إعادة تعليم الوالدين وتطوير مهاراتهم فى معاملة الطفل وتعليمه من خلال تعريفهم باحتياجاته وسبل إشباعها، وبكيفية توفير الخبرات والمواقف والأنشطة التى تستثير حواسه وتنشط استعداداته، وتمكنه من زيادة معدلات تعليمه فى بيئة المنزل، وتستخدم فى هذا الصدد برامج إرشادية وتعليمية تمكنهم من القيام بدورهم فى تصميم الواجبات التعليمية والتدريبية للطفل ومتابعتها، كما تستخدم برامج تدخلية تعليمية تقوم على رعاية الطفل فى كنف أسرته عن طريق أحد والديه تحت إشراف المتخصصين مثل برنامج بورتيج Portge project للتربية المبكرة".
ويشير الدكتور فتحى السيد عبد الرحيم فى كتابه  "قضايا ومشكلات فى سيكولوجية الإعاقة ورعاية المعوقين". إلى "أن الآباء والأمهات يختلفون فى قدر المسئولية التى يتحملونها. فبعضهم قد يكونون امتدادا مباشرا لاخصائى العلاج ويتبعون ما يقدم إليهم من تعليمات. وبعضهم يتعلم المبادئ العامة لتعديل السلوك، ويمكن أن يسمح له بتخطيط البرامج الخاصة وتنفيذها مع توافر حد أدنى من التوجيه من قبل المتخصصين.
وأيا كانت طبيعة المساهمة التى تقوم بها الأسرة فى التصدى لهذه المشكلة. فالدور الذى تقوم به بكل أفرادها فى التصدى للإعاقة وعلاج الطفل المعاق دور حاسم. الآباء لهم دور يتفق مع طبيعة العلاقة التى تربطهم بأبنائهم. والإخوة لهم دور آخر لا يقل أهمية عن دور الآباء، لأن أعمارهم متقاربة مع عمر شقيقهم المعاق، وهم الأقرب إليه فى معظم الأوقات، فى البيت وفى خارج البيت. وهم الأكثر تعرضا للمشاكل النفسية المترتبة على قرابتهم لطفل معاق، وهم حلقة الوصل بين شقيقهم وبقية الأطفال سواء أبناء الجيران أو زملاء الدراسة، وهذا هو الوسط الذى نستطيع أن نجرب فيه إرشاد إخوة الطفل المعاق بالفن عامة، وبالسيكو دراما بوجه خاص.
إن الفن فى نظر الطفل نوع محبوب من أنواع اللعب، وشكل من أشكال التعبير عن النفس والترفيه عنها، كما يمكن أن نجد فى الرسم والنحت والرقص والموسيقى، وبالذات فى المسرح الذى استخدم فى العلاج النفسى فيما سمى "السيكو دراما" Psychodrama. وسوف أعتمد فى هذا الجزء على تجربة حية اتصلت فيها عدة سنوات بذوى الاحتياجات الخاصة وإخوتهم، وحاولت أن اقترب منهم وأدخل عالمهم وأفهم مشاعرهم، وذلك حين كنت أتولى إدارة ثقافة الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة. كما مكننى عملى من الاتصال بالعاملين فى هذا المجال، المشتغلين بالطب النفسى، وأسر المعاقين، والقائمين بالعمل فى المؤسسات المعنية بالإعاقة الرسمية والأهلية. وخلال ذلك قمنا بعدة تجارب من أهمها فى تقديرى تجاربنا فى المسرح النفسى، أو السيكو دراما التى تتصل من ناحية بالطب النفسى، ومن ناحية أخرى بفن المسرح، وخاصة مسرح الطفل الذى كان لابد أن ندخل منه إلى المسرح النفسى. لأن المسرح النفسى يجب أن يتسع للمعاقين وغير المعاقين، فهو ليس مجرد علاج وإنما هو فن أيضاً، أو هو علاج عن طريق الفن. فما هو مسرح الطفل؟ وما هى خصائصه؟
مسرح الطفل وخصائصه:
والإجابة أن مسرح الطفل مسرح جديد لم يظهر إلا فى العصر الحديث وبالتحديد فى أوائل القرن الماضى نتيجة لتقدم العلوم الإنسانية وتطورها، وخاصة علم الاجتماع، وعلم النفس، إضافة إلى انتشار الوعى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والاهتمام بالفئات الاجتماعية المنسية والمهمشة كالنساء والأطفال، خاصة ذوى الاحتياجات الخاصة، وقيام الدول القومية التى أصبحت مسئولة عن التعليم والتربية بأشكالها البدنية والعقلية والأخلاقية، والجمالية.
وقد ظهر أول مسرح للأطفال فى نيويورك سنة 1907 وكان مسرحا تعليميا يشرف عليه الاتحاد التعليمى فى نيويورك.
أما فى بريطانيا فقد بدأ مسرح الأطفال بالعروض التى كانت تقدمها فرقة بن جريت Ben Great فى مدارس لندن 1918، وكانت أول فرقة تقدم عروضها للأطفال فى بريطانيا بانتظام هى فرقة المسرح الاسكتلندى التى بدأت نشاطها منذ عام 1927، وما لبثت مسارح الأطفال أن ظهرت تباعا فى أنحاء العالم. ( وقد شهدت مصر مولد أول مسرح للأطفال فى الثلاثينات كجزء من النشاط المدرسى. وقد استقل هذا النشاط عن وزارة التربية والتعليم فى الستينات بعد أن أنشئت وزارة الثقافة المصرية التى تبنت مسرح الطفل وجعلته شعبتين إحداهما فى القاهرة والأخرى فى الإسكندرية.
ومسرح الطفل هو ملعب الطفل، أى هو المجال الذى يمارس فيه الأطفال هواياتهم فى اللعب والاتصال الخلاق بالطبيعة وبالآخرين عن طريق التقليد والمحاكاة والاندماج فى البيئة المحيطة.
ونستطيع أن نبلور خصائص مسرح الطفل فيما يلى:
  •          أنه مسرح يشبع حاجة الطفل للحركة وحبه للمحاكاة.
  •        أنه مسرح تلقائى يساعد الطفل على التعبير عن نفسه وتقوية شعوره بشخصيته، والاندماج فى حياة المجتمع، والبعد عن التصنع، والكشف عن الموهبة، والتحرر من الشعور بأنه مراقب أو مطالب بأداء واجبات ثقيلة.
  •          ثم إنه مسرح للتربية التى تتحقق من خلال اللعب وإثارة الفضول وإيقاظ الخيال.
  •         وهو احتفال بالأطفال يقيمه الأطفال لأنفسهم فمن الطبيعى أن يتميز بالبساطة وأن يثير فى نفوس الأطفال الشعور بالبهجة والسعادة.
لكن مسرح الأطفال ليس مسرحا واحدا لأن الأطفال ليسوا عمرا واحدا ولا عقلية واحدة. ولا شك أن ما يقدم لطفل فى السادسة من عمره يختلف عما يقدم لطفل آخر فى الثانية عشرة. والذى يقدم للأطفال العاديين غير الذى يقدم للمعاقين أو ذوى الاحتياجات الخاصة. مسرح الأطفال العاديين مسرح تعليمى، أما مسرح المعاقين فهو مسرح نفسى. الأول يهتم أكثر بالتربية، والأخير يهتم أكثر بالعلاج، ولهذا سمى السيكو دراما.
السيكو دراما Psychodrama:
السيكو دراما تمثيلية تستخدم الأدوات التي تستخدم في فن المسرح ويستعان بها فى العلاج النفسى فالسيكو دراما فن من ناحية، وطب من ناحية أخرى. وبعض الباحثين يعتبرها شكلا من أشكال المسرح كما فعل مورينو Morino. وهو أول من استخدم السيكو دراما. والبعض الآخر يعتبرها شكلا من أشكال الطب النفسي.
والواقع أن العلاج النفسي كان هدفا من أهداف المسرح منذ بدايات هذا الفن. فأرسطو يرى أن رسالة التراجيديا أو المأساة هي التطهير Catharsis، وقد تبنى الطب النفسي هذا المفهوم وجعله هدفا من أهدافه.
ويذهب الدكتور أحمد عكاشة فى تعريفه للسيكو دراما إلى أنها نوع من أنواع العلاج الجماعى يجتمع فيه عدد من المرضى من خمسة أفراد إلى خمسة عشر يلعبون الأدوار المسرحية، ويجب أن تكون السيكو دراما تعبيرا صادقا عن مشكلة خاصة أو مشكلة جماعية للمرضى. وأثناء تمثيلهم للأدوار التى يقومون بها يتذكرون ما حدث لهم ويقدمونه بالصورة التى تتطلبها عملية التنفيس الانفعالى، ويتخلصون من مخاوفهم وشعورهم بالنقص أمام الجمهور، فيحسون بالراحة والاندماج فى المجتمع. ومعنى هذا أن الجمهور أو المشاهدين شرط جوهرى فى السيكو دراما، لأنه يمثل المجتمع الذى كانت تمثله الجوقة أو الكورس فى المسرح اليونانى. ويرى بعض الباحثين – عبد الرحمن سليمان – أن الجمهور يمثل الرأى العام بالنسبة للمريض، وتعكس استجاباته مدى قبول المجتمع أو رفضه لما يصدر عن البطل (المريض).
وهناك من يرى أن المشاهدين يجب أن يكونوا من المرضى الذين يدركون حاجتهم للعلاج النفسى ولهذا يندمجون مع الممثلين الذين لا يعبرون عن أنفسهم فقط، وإنما يعبرون عن كل الموجودين فالقائم بالدور يخاطب الجمهور ويتحد به، والجمهور يرى نفسه فيمن يقوم بالدور وفى هذا الاندماج يتحقق التطهير المطلوب لدى الطرفين.
وقد حاولنا فى التجارب التى قمنا بها أن نستفيد بهذه الخبرات والآراء دون أن نلتزم بها حرفيا. فقد رأينا أن وجود الآباء والإخوة والزملاء العاديين ضرورى إلى جانب الأطفال المعاقين ليتحقق الشعور بالألفة والاندماج، وبالتالى التلقائية التى تسمح بالتطهير والتنفيس.
الورشة المسرحية:
كانت البداية ورشة فنية أقمناها للمعاقين عضويا من الأطفال المكفوفين والصم والبكم. وقد أردنا فى هذه الورشة أن نستغل النزوع الطبيعى لدى الأطفال على اختلاف ظروفهم، وأن نحرضهم على تحدى إعاقتهم وتنمية قدراتهم اليدوية والذهنية والاندماج فى المجتمع، ومشاركة الأطفال الأسوياء كل أوجه النشاط.
كان الطريق صعبا بقدر ما كان ممتعا وكان من الطبيعى أن نتواصل مع إخوة الأطفال المعاقين الذين شاركوا معنا فى كسر جدار العزلة الذى كان واضحا فى البداية عند تعاملنا مع أخوتهم وأول درس تعلمته من هذه التجربة أن الاحتكاك المباشر بهؤلاء الأطفال هو الطريق الوحيد إلى فهمهم والتواصل معهم واكتشاف مواهبهم.
ونحن فى هذه التجربة لم نكن نبحث عن كمال فنى، ولم نقدم شيئا خارقا لكننا كنا نبحث عن شئ آخر بسيط هو روح الطفولة التى تجمع بين أطفال من مختلف الأعمار والفئات العقلية والبيئات الاجتماعية.
وقد اكتشفنا أن هذه الروح موجودة لدى الجميع الصغار والكبار الأسوياء والمعاقين هذه البراءة العذبة الممزوجة بالحب والرغبة فى المعرفة والاكتشاف.
وبعد ثلاثة أشهر من العمل المتواصل فى هذه الورشة المسرحية اختفت الفروق وتحقق الاندماج الكامل واكتشفنا هذه الروح التى تمثلت فى العرض الذى قدمه الأطفال على خشبة مسرح الجمهورية فى القاهرة بعنوان "جد ولعب" إخراج الدكتور هناء عبد الفتاح، وهو مخرج مصرى معروف وأستاذ فى المعهد العالى للفنون المسرحية فى أكاديمية الفنون بالقاهرة.
لكننا بدأنا من هذا السؤال: كيف نكتشف مواهب هؤلاء الأطفال المعاقين وأخوتهم وزملائهم العاديين؟
هناك عدة خطوات يجب أن تتبع فى هذا المجال وأولها فهم طبيعة الإعاقات التى نتعامل معها، والفروق الموجودة بين الأطفال المعاقين. ثم تأتى الخطوة الثانية وهى إقناع الطفل بقدرته على مشاركة الآخرين، وتقوية ثقته بنفسه، وتقبل إعاقته وهنا كان وجود أخوة الطفل المعاق واكتشاف مواهبهم جزءا مهما من خلال لقاءاتنا معهم أن هؤلاء الأطفال من أخوة الطفل المعاق فى البداية كانوا محتاجين للدعم الفنى فقد اكتشفنا أنهم أيضا يعانون مشكلات نفسية واضطرابات.
كان علينا عمل حوار مع الأطفال المعاقين وأخوتهم فى جلسات متتابعة نكسب فيها مودتهم ونشجعهم على دخول التجربة والكشف عن مواهبهم دون خجل أو خوف ثم تأتى الخطوة الثالثة وفيها ننمى هذه المواهب التى كشف عنها الأطفال، وذلك عن طريق العمل والتجارب التى تختلف باختلاف الموهبة فهناك التدريبات الرياضية التى تؤدى بمصاحبة الموسيقى، والتدريبات الصوتية والتمثيل بالإيماءات والحركة الجسدية والرقص والرسم والنحت والتلوين، ونظل نقوم مع الأطفال بهذه التمرينات حتى نضعهم على أول الطريق الذى سيواصلون السير فيه بمساعدة المشرفين الذين لا يكفى أن يكونوا مختصين فى الفنون المختلفة، ولكن يجب أن يتمتعوا بمزايا نفسية وعقلية وخبرات تربوية تساعدهم على تحقيق النجاح فى العمل الذى تصدوا للقيام به، وهو الكشف عن مواهب المعاقين وإعادة تأهيلهم وإدماجهم فى المجتمع وذلك عن طريق الحوار معهم فى جلسات متابعة نكسب فيها مودتهم ونشجعهم على دخول التجربة، والكشف عن مواهبهم دون خجل. وهذا ما تحقق فى العرض الأول الذى قدمناه.
ثم انتقلنا من هذه الورشة التى كانت مقصورة على المعاقين عضويا إلى الورشة التى شارك فيها المعاقون عضويا مع المعاقين ذهنيا. وقد ضمت هذه الورشة حوالى خمسة عشر طفلا من المعاقين وأخوتهم وأصدقائهم بالإضافة إلى بعض الآباء والأمهات الذين شاركوا جميعا فى التحضير وإعداد الديكورات والملابس وعمل الماكياج.
لم يكن هناك نص مسرحى جاهز هذه المرة، لكننا عقدنا عدة جلسات ضمت المشرف الفنى، والمخرج، والمشرف النفسى ومعهم كابت مسرحى متخصص. وبدأنا العمل.
جلسات يومية كانت كل جلسة تستمر حوالى ثلاث ساعات وكنا نعمل خمسة أيام فى الأسبوع لمدة ثلاثة أشهر متواصلة انتهت بتقديم عرضين آخرين بعد العرض الأول الذى أشرت إليه من قبل. أحدهما قدمه الصم والبكم مع أطفال عاديين تحت عنوان "أطفال بلا حدود". وفيه يظهر الأطفال الممثلون واحدا بعد الآخر وكل منهم يحكى حكايته ويتحدث بصراحة شديدة عن المشكلات التى يواجهها فى حياته، فإذا كان صاحب القصة عاجزا عن الكلام استخدم لغة الإيماءات، وقام أحد الأطفال العاديين بترجمة حركاته للجمهور، وإذا كان صاحب الحكاية من الأطفال العاديين كان أحد زملائه من الصم والبكم يقوم بترجمة كلامه إلى لغة الإشارة، وقد تخللت هذه العروض أغنيات قدمها الأطفال العاديون مع رقصات يقدمها الأطفال المعاقون.
وقد تكررت هذه التجربة فى عرض آخر سميناه "الكل أبنائى" وأعددناه من خلال ورشة شارك فيها أطفال من أخوة الطفل المعاق وأطفال معاقون إعاقات ذهنية وبدنية وأطفال مكفوفون وأطفال من الصم والبكم، وقدموا مشاهد أوبريت "الليلة الكبيرة" تأليف صلاح جاهين وتلحين سيد مكاوى، وقد بدأت الورشة بالحركة الأخيرة من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن التى ألفها بعد أن أصيب بالصمم، وكانت هذه لفتة أردنا فيها أن نعلن للجمهور والمشاركين فى العرض أن الإعاقة لا تحجب الموهبة، وأن بإمكان البشر التغلب على مشاكلهم والاندماج فى عمل واحد يزيل الفوارق بين المعاقين وغير المعاقين.
وقد اكتشفنا فى النهاية أن الإعاقة ليست مانعا من الاندماج، وأن الفن لا يتعارض مع الأهداف الإجتماعية إذا أحسنا تقدير الأمور وعرفنا كيف نعدل أساليبنا ونستجيب للحاجات والظروف المتغيرة، وأن نضع الإنسان فوق كل اعتبار.
والسيكو دراما إذن شكل من أشكال المسرح، لكنه مسرح من نوع خاص يقدم لممثلين من نوع خاص وجمهور من نوع خاص أيضا. وهو إذن نشاط يتطلب قدرا كبيرا من الرهافة والاستعداد لتفهم لغة الأطفال الذين يقدمونه والأطفال الذين يقدم لهم، فضلا عن قدرة على الاستقراء والاستنتاج ولباقة فى التعامل وإدراك لنوعية الاحتياجات والمطالب.
من هذا المنطلق يجب أن يكون الفنيون المشاركون بالتوجيه والتدريب فى عروض السيكو دراما على درجة عالية من الكفاءة من النواحى النفسية والفكرية والثقافية ليكونوا قادرين على اختراق عالم هؤلاء الأطفال والتوفيق بين احتياجاتهم وما يعتمل داخلهم.
والسيكو دراما لا يجب أن على أنها مجرد علاج، فهى علاج، لكنها أيضا، وعلينا أن نتعامل مع المشتغلين بتقدير كبير، وأن نرصد ما يكفى من الإمكانيات المادية والفنية لإجراء التجارب والوصول إلى النتائج المرجوة.

 قائمة المراجع/
  1.    عبد المطلب القريطي، "سيكولوجية ذوي الاحتياجات الخاصة" ، الأمل للطباعة والنشر، القاهرة، 2005.
  2.      اليونسكو التقرير النهائي لخبراء التربية الخاصة. باريس، 15-20 أكتوبر 1979.
  3.       محمد علي كامل، سيكولوجية الفئات الخاصة، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1996.
  4.      محمد عماد الدين اسماعيل، الطفل من الحمل إلي الرشد ( الجزء الأول) الكويت: دار القلم،1989.
  5.       محمد هويدي "الأمراض النفسية لدي المتخلفين عقليا" ندوة الإرشاد النفسي والمهني من أجل نوعية أفضل لحياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. جامعة الخليج العربي بالتعاون مع الجمعية العمانية للمعوقين، عمان - مسقط، 12-19إبريل 1999، ص:71-93.
  6.      مارتن هنلي وروبرتا رامزي وروبرت ألجوزين، خصائص التلاميذ ذوي الحاجات الخاصة، وواستراتيجيات تدريسهم. ( تعريب: جابر عبد الحميد جابر) القاهرة: دار الفكر العربي، 2001
  7.       كمال إبراهيم مرسي، التخلف العقلي وأثر الرعاية والتدريب فيه. القاهرة: دار النهضة العربية،1970.
  8.       كمال إبراهيم مرسي، " التدخل المبكر في رعاية التخلف العقلي ودور الإرشاد النفسي فيه" . مجلة الإرشاد النفسي( العدد الرابع، السنة الثالثة) مركز الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس، القاهرة، 1995 "ا"، ص:21-50.
  9.       كمال إبراهيم مرسي " التأصيل الإسلامي للإرشاد النفسي لآباء المتخلفين عقليا" بحوث المؤتمر الدولي الثاني ( الإرشاد المفسي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة) مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس، ديسمبر 1995 "ب"، ص:153-170.
  10.  فتحي السيد عبد الرحيم، قضايا ومشكلات في سيكولوجية الإعاقة ورعاية المعوقين، الكويت، دار القلم، 1403 هـ - 1983 م.
  11. فوقية محمد ماضي " الضغوط النفسية والحاجات الإرشادية لإخوة المتخلفين عقليا" المؤتمر السنوي لكلية التربية بجامعة المنصورة، نحو رعاية نفسية وتربوية أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة، المنصورة، 4-5 إبريل 2000: ص:431-479.
  12.    فيوليت فؤاد إبراهيم" مدي فاعلية برنامج لتعديل سلوك الأطفال المتخلفين عقليا المصابين بأعراض داون من فئة القابلين للتعلم" بحوث المؤتمر السنوي الخامس للطفل المصري ( المجلد الثاني) مركز دراسات الطفولة بجامعة عين شمس، القاهرة، 28-30إبريل 1992، ص:983-1022.
  13.  فاروق محمد صادق، " من الدمج إلي التآلف والاستيعاب الكامل، تجارب وخبرات عالمية في دمج الأفراد والمعوقين في المدرسة والمجتمع" بحوث المؤتمر القومي السابع لاتحاد هيئات رعاية الفئات الخاصة والمعوقين بجمهورية مصر العربية. (مجلد أول) القاهرة، 8-10إبريل1998،ص264-294.
  14.  عبد المطلب القريطي " الدور العلاجي للنشاط غير الأكاديمي في برمج المعوقين" في : الكتاب السنوي في علم النفس. ( تحرير: فؤاد أبو حطب) الجمعية المصرية للدراسات النفسية، القاهرة،: مكتبة الأنجلو المصرية،1986، ص: 430-446.
  15.  شاكر قنديل " الإعاقة كظاهرة اجتماعية" بحوث مؤتمر نحو رعاية نفسية وتربوية أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة. كلية التربية، جامعة المنصورة، 4-5إبريل 2000،ص:381-428.
  16.  جاك ستيوارت إرشاد آباء ذوى الأطفال غير العاديين،( ترجمة: عبد الصمد الأغبري، فريدة آل مشرف) الرياض، النشر العلمي بجامعة الملك سعود، 1996.
  17.  أحمد عكاشة علم النفس الفيسيولوجي(ط.ثامنة). القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية ،1993.
  18.  محمد لطفي محمد يحيي، استخدام السيكودراما في تخفيف الفوبيا الاجتماعية لدي أطفال مرحلة الطفولة المتأخرة، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس،2003. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق