الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

السبت، 4 مايو 2013

صرخة هاني خليفة .. علاج العنف الزوجي في ضوء القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
القرآن العظيم هو كلام رب العالمين، ومن ابتغى السعادة والأمن في الدارين لا بد من أن يجعله نصب عينيه، ويسير على هداه في كافة شئونه.
والعنف الزوجي هو أحد أبرز الأمور الهدامة التي تقوض بناء الأسرة أولاً؛ ومن ثم المجتمع والأمة .
فكيف سيكون الأفراد فاعلين في مجتمعاتهم، وهم تحت ضغوط شديدة تحت مظلة أسرهم،
ولا شك أن العنف الزوجي هو مؤثر قوي، ومقوض هدام للزوجين ابتداء ومن ثم الأولاد، وكذا يؤثر سلباً على كل من له علاقة وارتباط بالزوجين .
وحياة الزوجين في ظلال العنف تصبح عذاباً وألماً وكابوساً يتمنى المظلوم منهما أن يفيق منه، أو تنتهي حياته تلك بأي صورة كانت.
ومن هنا كانت عناية القرآن الكريم بالسلام الزوجي متمثلاً في كل ما يعززه ويبنيه ويقوّمه بشتى أشكاله وأنواعه، وفي درء كل ما يقوّضه ويهدمه من العنف بدفع عوامله والحد من آثاره.
ولعظيم أهمية هذا الموضوع، ولشيوع صوره المختلفة بصورة مرتفعة نسبياً تختلف بحسب أولاً مدى تمسك والتزام الزوجين بكتاب الله، وكذا بحسب المناطق والعادات والتقاليد...، أحببت الحديث عنه في بحثي هذا .
وقد قسمته إلى عدة مباحث تحوي عدة مطالب وتحت كل مطلب عدة نقاط:
المبحث الأول:
تعريف العنف الأسري:
1- الأشخاص الذين يمارسون العنف.
2- العوامل المؤدية إلى العنف الأسري.
3- الآثار المترتبة على العنف الأسري.
4- أبرز الفئات التي تتعرض للعنف الأسري
المبحث الثاني:
علاج العنف الزوجي
وتحته عدة مطالب:
العناية بحسن الاختيار ومراعاة الكفاءة الزوجية
تحديد الهدف ووضوح الرؤية
التقوى وترك المعاصي
الاعتدال في المحبة

أعظم ألفة وسكن بين زوجين هو بين الزوجين
علاج النشوز بين الزوجين
آداء الحقوق والواجبات
تحديد أحكام الطلاق والخلع والرضاع والولاية
بيان حقيقة القوامة
تنظيم قضية التعددالمشاركة الحسية والمعنوية فيما بينهما
تنظيم قضايا الفراش والعلاقة الجنسيةالمشاركة الحسية والمعنوية فيما بينهماضبط ضبط مشاعر الغيرة والشك والبغض والكراهية.
وذلك في ضوء الآيات القرآنية وتعليق المفسرين –- على ذلك.
وأخيراً نسأل الله التوفيق والسداد.
المبحث الأول: تعريف العنف لغة: مثلثة العين ضد الرفق[1], وعَنُفَ به وعليه عُنْفاً وعَنَافة: أخذه بشدة وقسوة ولامه وغيّره فهو عنيف[2].
العنف اصطلاحاً: يمكن تعريف العنف من فرد لآخر بمحاولة تسلط متزايدة يفرض خلالها (ومن موقع إحساسه بقوته) مراقبة وضبط الآخر مستخدماً وسائل ضغط متنوعة تحافظ على حالة دونية, وتجبره على تبني مواقف وسلوكيات متطابقة مع توجهاته الخاصة ورغباته[3].
تعريف العنف الأسري: أنه السلوك الذي يصدر من أحد أفراد الأسرة دون مبرر مقبول, ويلحق ضرراً مادياً أو معنوياً أو كليهما بفرد آخر من أفراد الأسرة, وهو يشمل عنف الزوج تجاه زوجته, وعنف الزوجة تجاه زوجها, وعنف الوالدين تجاه الأولاد وبالعكس, كما أنه يشمل العنف الجسدي والجنسي واللفظي والتهديد, والعنف الاجتماعي والفكري.
الأشخاص الذين يمارسون العنف: العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري انتشاراً في زماننا هذا, وتبين الدراسات التي أجريت في الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى, وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول, يأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا إما للأب أو للأخ الأكبر أو للعم بنسبة 99% يكون مصدر العنف للأقوى.
أي ليس بالضرورة أن يكون الممارس للعنف هو أحد الأبوين, وإنما الأقوى في الأسرة, ولا نستغرب أن يكون الممارس ضده العنف هو أحد الوالدين إذا وصل لمرحلة العجز وكبر السن.[4]
وقد يصدر العنف من الزوجة تجاه الزوج، والأم تجاه أبنائها، والأخت تجاه الأخ ونحو ذلك، ولكن بنسب أقل.
أنواع العنف الأسري:
1- العنف المقصود الواعي‏:
يقصد بالعنف المقصود جميع الممارسات العدوانية الواعية المدعومة بإرادة وإصرار سواء أكانت مبررة أو غير مبررة وتوجد أشكال متعددة لهذا النوع من العنف وسنكتفي هنا بما يوضح فكرة العنف الواعي:‏
أ - القسوة في المعاملة:‏
الضرب، ربط بالحبال، الحبس و الحرمان من وجبات الطعام، إعطاء مواد لاذعة، تهجم، لفظ التهديد لإكسابهم أنماط سلوكية مقبولة واستبعاد أخرى غير مقبولة إلى جانب تنمية سمات مع الذكور منهم كالرجولة والخشونة لتعليمهم أدوارهم الاجتماعية المستقبلية.‏
ويأتي ضمن قسوة المعاملة‏:
ب- صورة الاستغلال الجسدي. ‏
ج- النقد والنهر والإذلال والاتهام بالفشل‏.
د- التخويف (الحبس، العزل)‏.
2- العنف غير المقصود‏:
1- الاعتداءات الجنسية:‏
والتي يكون فيها الأب أو الأخ الأكبر هو الطرف المعتدي وغالباً تحدث مثل هذه الحالات تحت تأثير تعاطي المخدرات أو بعض الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية‏.
2-الهياج والتصرفات الخارجة عن المعايير:‏
ومن الحالات الملاحظة في أسرنا حالات الهياج والتصرفات التي تخرج عن المعايير المقبولة اجتماعياً وهي غالباً تصدر عن الآباء تحت تأثير المخدر أو استخدام بعض العقاقير التي تفقد التوازن (عقاقير الهلوسة و عدم القدرة على التحكم في الانفعالات وكثيراً ماتؤدي مثل هذه التصرفات إلى استعمال القسوة مع الأطفال أو مع أمهاتهم وقد يتعرضون نتيجتها للأضرار الجسدية .‏
3- الحرمان من قبل الأزواج والتي تتمثل في حرمانها من أبسط احتياجاتها، أو العكس
وكذا حرمان الأطفال من التعليم والصحة والغذاء الكافي والمناسب وتشغيلهم في أعمال لاتتناسب ونموهم وقدراتهم وكثيراً ماتسبب لهم تشوهات جسمية ومعاناة نفسية..‏.[5]
الأسباب المؤدية إلى العنف الأسري:
أ - ضعف الوازع الديني وسوء الفهم لكثير من القضايا والأحكام الفقهية.
ب - سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة.
ج - غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة.
د - سوء الاختيار وعدم التناسب بين الزوجين في مختلف الجوانب بما فيها الفكرية.
هـ - ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة.
و- دوافع ذاتية وهي التي تنبع من نفس الشخص، أو اقتصادية للحصول على المادة، أو اجتماعية كتصور أن ذلك يصور الرجولة في حق الرجل والقدرة على التحكم في الرجل بالنسبة للمرأة أو عموماً.
الآثار المترتبة على العنف الأسري:
1-العُقد النفسية، والأمراض الجسدية، والإعاقات.
2-انتهاج الشخص الذي عاش العنف النهج ذاته.
3-تهديد كيان الأسرة ومن ثم المجتمع بأسره.
4-التعثر الدراسي للأطفال، الهروب من المنزل.[6]
أبرز الفئات التي تتعرض للعنف الأسري[7]:
1-الأطفال. 2-النساء .
3-المعاقين. 4-المسنين.
المبحث الثاني :
علاج العنف الزوجي في ضوء القرآن الكريم:
اعتنى القرآن الكريم بكل ما يدفع العنف الزوجي, بكافة جوانبه وصوره .
أولاً: عنف الأزواج تجاه الزوجات والعكس:
1-العناية بحسن الاختيار ومراعاة الكفاءة الزوجية:
المعيار الحقيقي للاختيار الصحيح للزوج أو الزوجة هو تقوى الله، ومن ثم تأتي الصور الأخرى التي تتعلق بالكفاءة والمناسبة المقبولة شرعاً وعقلاً.
أما ما يتعلق باختيارات غالبية الناس اليوم وهي بالتحديد تهتم كأصل أول وأساس بالأشكال والألوان والهيئات، وبعد ذلك تكون بعض الاعتبارات المادية ونحوها مع غض الطرف عن الجانب الأهم وهو تقوى الله.
ومن هنا نلحظ جنوح كثير من الأزواج والزوجات إلى العنف لتحقيق الرغبات المطلوبة بناء على أصل هذه الاختيارات.
والله في كتابه ذكر المعيار الحق وهو الإيمان فقال سبحانه )وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ( [البقرة:221]، قال ابن كثير: (أي ولرجل مؤمن –ولو كان عبداً حبشياً- خير من مشرك، وإن كان رئيساً سرياً (أولئك يدعون إلى النار ) أي معاشرتهم ومخالطتهم، تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمة (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) أي بشرع وما أمر به وما نهى عنه[8].
وقال تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُللطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّايَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور:26]، قال السعدي:أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له ومقترن به، ومشاكل له.
وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له[9].
ولا يخفى اثر المخالطة المجردة على الفرد قال ابن الجوزي: (مارأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لايصلح ، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله، وإن رؤية الدنيا تحث على طلبها)[10].
وأن يحيا المرء مع زوج غير صالح يؤثر سلبياً على حياته ونفسيته ومن ثم في سلوكه وتعامله وإحساسه تجاهه، ومع الأيام تزيد الهوة فيما بينهما مما يثير العنف بلا شك في هذا الوسط الزوجي، ويصبح البون شاسعاً والتوافق مستحيلا
2-تحديد الهدف ووضوح الرؤية: فالأهداف عندما تكون واضحة تكون الخُطى نحو تحقيقها ثابتة .
وتأمل في ذلك آية التخيير (ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) الأحزاب 28-29 قال ابن كثير:( هذا أمر من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام ،بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها ، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن وأرضاهن ، الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة)[11].
فتعالين :أي اقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين
وعن جابر قال:أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله عليه الصلاة والسلام والناس ببابه جلوس والنبي عليه الصلاة والسلام فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي عليه الصلاة والسلام جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر :لأكلمن رسول الله عليه الصلاة والسلام لعله يضحك فقال عمر :يارسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة،فقام أبو بكر رضي الله إلى عائشة ليضربها ،وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان رسول الله عليه الصلاة والسلام ماليس عنده، فنهاهما رسول الله عليه الصلاة والسلام عن هذا فقلن نساؤه :والله لا نسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد هذا المجلس ماليس عنده)[12]
وأخرج البخاري عن عائشة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت:فبدأ بي فقال:إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ،فقال: إن الله قال (ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن الحياة الدنيا وزينتها..)،فقلت له : ففي أي هذا استأمر أبوي فإني أريد الله والدار الآخرة وفعل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام مثل ما فعلت.[13]
نعم تحديد الهدف :(الدنيا أو الآخرة ) يجعل العبد أكثر قدرة على التحكم في انفعالاته وتوجيهها بطريقة صحيحة.
3-التقوى وترك المعاصي: المتأمل في القرآن الكريم يجد عظيم ارتباط التقوى بالحياة الناجحة والسعيدة على مستوى الأسرة والمجتمع والأمة .
في آيات النكاح والطلاق والولاية ..تجد التركيز على مزيد من العناية بأمر التقوى .
ولو تأملت فقط سورة الطلاق ومدى عنايتها بأمر التقوى وربط اليسر بعد العسر ، وكذا الفرج والمخرج ونحوها كيف تكرر ذلك ،لأدركت كيف يكون التقوى مجانبا للعنف الزوجي بإذن الله.
4-أعظم ألفة وسكن بين زوجين هو بين الزوجين: هذه هي العلاقة المطلوبة بين الزوجين كما صورها القرآن الكريم لو عقلها واستشعرها الزوجان لكان ورود العنف في حياتهما شيئاً مستحيلاً, ولأصبح ظلال الود والسكن والرحمة هو أصل هذه الحياة الزوجية قال تعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( [الروم: 21]، قال ابن كثير: (فلا ألفة بين الزوجين أعظم مما بين الزوجين ولهذا ذكر الله تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه)[14].
نعم هذه أعظم ألفة فمن أين يأتي العنف إلى مثل هذه الألفة؟!.
وقال النسفي: (لأن الجنس إلى الجنس أميل خصوصاً إذا كان بعضاً منه، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه)[15].
فالله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر, وهو سبحانه قادر أن يخلق حواء كما خلق آدم دون أن تكون جزءاً منه وبضعة, ولهذا الخلق بهذه الكيفية حكمة عظيمة في جعل المودة والأنس والرحمة بين الزوجين، فليتأمل ذلك.
وكيف يتصور المرء أن الزوج أو الزوجة في ضوء هذه العلاقة يؤذي أحدهما الاخر بأي صورة كانت، ثم يضاجعه، ويستخدمه في حاجته .
5-عدم تقديم محبة الآخر على محبة الله: قال تعالى(ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) التغابن 14 قال مجاهد :يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه.[16]
وفي الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله،ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه).[17]
وتقديم غير الله على الله في المحبة هلاك وخسارة محضة في الدنيا والآخرة .
6-علاج النشوز بين الزوجين:
أولاً: إذا كان النفور والنشوز من الزوج فقد عالجه القرآن الكريم بعيداً عن العنف الذي قد يفعله الزوج تجاه زوجته في حال نشوزه ذلك والذي قد يبلغ أقصى صور العنف من سباب وضرب وتنكيل وتقصير في الحقوق وغير ذلك, فجاء علاج القرآن الكريم لذلك قبل حدوث النشوز أو في بدايته فقال تعالى: )وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا( [النساء: ١٢٨]، والمعنى: إذا خافت المرأة أو أحست من زوجها استعلاء بنفسه منها إلى غيرها, أو أثرة عليها, وارتفاعاً بها عنها, إما لبغضة وإما لكراهة منه بعض أمور فيها, أو شعرت بانصرافه عنها بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه.
حينها لا حرج عليها أن يصلحا بينهما صلحاً وذلك بأن تضع عنه بعض الواجب لها من حقٍّ عليه, تستعطفه بذلك, وتظهر حرصها وعظيم رعايتها بالعقد الذي بينها وبينه بالنكاح، ويثنيه ذلك عن عنفه في الغالب ، ويحد من آثار الجفاء الحاصل فيما بينهما.
ثانياً: إذا كان النشوز من الزوجة تجاه زوجها: وهذا الأمر أيضاً من أسباب العنف الذي قد يدفع الزوجة للإضرار بزوجها، قال تعالى: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا( [النساء: ٣٤]، ولذا إن خاف الزوج من امرأته نشوزاً وعظها فإن أنابت وإلا هجرها في المضجع, فإن ارعوت وإلا ضربها ضرباً غير مبرح, فإن استمرت تم تحكيم الحكمين.
ثالثاً: إذا كان النشوز والنفور بين الزوجين: قال تعالى: )وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا( [النساء: ٣٥]، قال البغوي: (إذا ظهر بين الزوجين شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة, ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية, وخرجا إلى مالا يحل قولاً وفعلاً ) - وهذا هو العنف المرفوض- ثم قال (بعث الإمام حكماً من أهله إليه وحكماً من أهلها إليها, رجلين حرين عدلين, ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه, إن كانت رغبته في الصلة أو الفرقة, ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليه رأيهما من الصلاح)[18].
فإذا وقع الشقاق بين الزوجين كان الحكم بالتدرج السابق وحسب ما تقتضيه المصلحة حتى يندفع العنف فيما بينهما.
7-آداء الحقوق والواجبات:
عدم التزام الزوجين أحدهما أو كلاهما بآداء الحق الذي عليه تجاه الآخر سبب للعنف, سواء كانت تلك الحقوق مادية أو معنوية, قال تعالى: )وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( [البقرة: ٢٢٨].
قال الشافعي:(وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه, وإعفاء صاحب الحق من المؤونة في طلبه لا بإظهار الكراهية في في تأديته, فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم)[19].
وفي هذا الكلام معنىً لطيف إذ أن إظهار الكراهية في تأدية الحق أو التماطل فيه يُعد قصوراً, فما الحال بمن ترك تأدية الحقوق أصلاً؟!
ألا يُعد ذلك عنفاً منهياً عنه ؟!
وكذا قال ابن قدامة: (قال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف, ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة, بل ببشر وطلاقة, ولا يتبعه أذىً ولا منة لقوله تعالى"وعاشروهن بالمعروف")[20].
وفي هذا القول معنىً آخر يضيف على الحياة الزوجية الأنس في حال تأدية الحقوق الزوجية وهو أن يكون حالهما في تأدية هذه الحقوق البشر والطلاقة وعدم المنة والأذى، فمن أين يجد العنف مدخلاً إليها؟!
بل يتعدى الأمر ذلك إلى أبعد منه حين يخشى أحدهما أن يستوفي كامل ماله لئلا يلزمه جميع ما عليه كما فهم ذلك صحابة رسول الله .
وحين تستوفى الحقوق بكل أشكالها ومعانيها, وتكون صادرة عن حب وبحب وود وألفة, ستستقر الأنفس ولن يدخل العنف في مثل الحياة الزوجية.
8-تحديد أحكام الطلاق والخلع والرضاع والولاية:
قد تستحيل الحياة الزوجية لأي سبب كان؛ ويصبح لا بد من إنهاء هذه الحياة بالحسنى والمعروف بدون ضرر أو إضرار بالزوجين أحدهما أو كليهما, وكذا دون الأضرار بالأولاد .
فوضع الله صوراً وحلولاً لإنهائها كالطلاق والتسريح بالمعروف والإحسان إليهن حتى بعد الطلاق أو الخلع ونحوه وكما ضبطت مسائل الرضاع والولاية بعد الانفصال .
والمتأمل في كتاب الله يجد أن الآيات التي تحدثت عن هذه الأحكام أكدت على جانب تقوى الله، وكذا سعة علمه الله وحكمته وإحاطته أو نحو ذلك من المعاني التي لا بد من مراعاتها وخاصة في هذه القضايا التي مظنة الظلم فيها بالغة وخفاءها متحقق بحسب ضعف إيمان صاحبها أو زيادته، وكل ذلك كي تكون رادعة عن أي عنف أو ظلم قد يسلكه أحد الأطراف تجاه الآخر، وتأمل هذه الأحكام الواردة في آيات سورة البقرة وسورة النساء وسورة الطلاق وغيرها وهي كثيرة منها: )وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا( [البقرة: 231]، )لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ( [البقرة ٢٣3]، )وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا( [النساء: ١٣٠]، )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا( [الطلاق: 1].
9-بيان حقيقة القوامة:
سبق وبيّنا أن الله تعالى خلق حواء من آدم, وأن وجودها الأول كان مستنداً إلى وجود الرجل وفرعاً منه.
قال الشنقيطي: (وهذا أمر كوني قدري من الله, أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه, وقد جاء الشرع الكريم المنزل من الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي, فجعل الرجل قائماً عليها وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها قال تعالى: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ( [النساء: ٣٤]، فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة لا يمكن أن تتحقق لأن الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً وشرعاً منزلاً ثانياً يمنع ذلك منعا باتا)[21].
فالقوامة بيد الرجل وله تأديبها ووعظها للتأديب لا للتشفي والانتقام منها, وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز, ووجوب طاعتها له في غير معصية, فإن لم يُجدِ ذلك هجرها في فراشها أو الحديث معها في البيت, ولا يتعدى ذلك خارج البيت, ومدة الهجر لا تزيد على ثلاثة أيام, فإن لم ينفع ذلك معها جاز أن يضربها ضرباً غير مبرح بسواك أو منديل ملفوف؛ لا بسوط ولا بعصى أو نحوه, والسواك كما لا يخفى دقيق وقصير، طوله غالباً طول القلم.
كما أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته إن استدعى الأمر ذلك أمام أطفالها أو غيرهم, لكون ذلك زيادة في التأديب لم يأذن بها الشارع, تنجم عن ذلك أمور لا تحمد عقباها, ولا يضرب في حال الغضب ولو وقع وجود ما يستدعي ذلك لكونه والحال هذه سيتجاوز الحد المأذون به.
والتأديب متى ما كان في الحدود الشرعية ينفع, ولا يصح تسميته عنفاً أسرياً, ومع ذلك كله نقول: إن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل إبقاء للمودة.[22]
وقال ابن حجر: (فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ويحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره, فيما يجب عليها فيه طاعته, فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل, ومهما كان الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل , لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية, إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله )[23]
ومن خلال ما سبق تتبين مدى رعاية القرآن الكريم للتأديب المطلوب بعيداً عن العنف المنفر والمضاد لقوله تعالى: ) وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( [النساء: ١٩]
وكذا الحال بالنسبة للزوجة ينبغي أن تعي حقيقة هذه القوامة فتُحسن التبعل لتَحْسُن الحياة الزوجية.
10-تنظيم قضية التعدد:
التعدد من الأسباب التي قد تثير العنف في الأسرة على مستوى الزوجين والأولاد في كثير من صورها, وخاصة حين أصبحت العلاقة الزوجية فقط إشباع رغبات مختلفة والسعي للوصول إليه بكل صورة ووسيلة أيا كانت.
وفي القرآن الكريم ضبط لهذا التعدد وتقييد كي لا يكون دماراَ للأسرة بل بناءً وسلامة.
قال تعالى: )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا( [النساء: ٣]
قال ابن كثير : (أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج)[24]
والذي يحصل من الرجال _ إلا ما رحم الله _هو التعدد العشوائي وحسب الهوى, في حين المطلوب التحرج، فأي حرج يستشعره أولئك في أمر النساء بمثل هذا التعدد؟!
وقال الطاهر ابن عاشور: (وإذا لم يقم تعدد الزوجات على قاعدة العدل بينهن اختل نظام العائلة, وحدثت الفتن فيها, ونشأ عقوق تعدد الزوجات أزواجهن, وعقوق الآباء أبنائهم بأذاهم في زوجاتهم وفي أبنائهم, فلا جرم أن كان الأذى في التعدد لمصلحة يجب أن تكون مضبوطة غير عائدة على الأصل في بالإبطال).[25]
وصور العنف الناتجة عن التعدد عديدة ولا تخفى, وقد تصل إلى إزهاق الأنفس, وما ذاك إلا من سوء تصرف من الأزواج أو الزوجات أو الأولاد تجاه هذه القضية التي إنما شرعت لبناء الأسر وليس لهدمها.
11- تنظيم قضايا الفراش والعلاقة الجنسية:
من صور العنف كذلك ما قد يحدث بسبب الإخلال بقضايا الفراش بين الزوجين, لذا نجد القرآن الكريم نظم هذه القضية وحدد أموراً عدة تتعلق بها, فقد قال تعالى: )نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ( [البقرة: ٢٢٣]،
قال الطبري: (معناه فأتوهنّ في فروجهن على الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهنّ, وذلك في حال طهرهنّ وتطهرهنّ, دون حال حيضهن)[26].
وقال الشنقيطي: (ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في إدبارهنّ, أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له, مبيناً أن ذلك القذر هو علة المنع, بقوله: "هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض", فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة)[27].
وهذه الأمور كلها ونحوها مما يخالف الفطرة السوية كالضرب أثناء الجماع ...هي مظنة العنف في هذه العلاقة, وتنظيم هذه العلاقة حسب الضوابط الشرعية تسمو بهذه العلاقة وتجعلها سبباً للقرب من الله, وليس كما أوصلها بعض الناس إلى أبشع الصور, وكأنها علاقة بهيمية لا حدود لها ولا ضوابط ولا مشاعر صادقة.
وليس هذا التنظيم مقتصر على هذا؛ بل وأبعد من ذلك مما يترتب عليه خلل كبير في هذه العلاقة, وذلك حين يجنح الزوجان أو أحدهما إلى إشباع رغباته بصورة أو بأخرى, خارج هذا الإيطار الزوجي.
فمن ذلك الأمر بغض البصر للزوجين، قال تعالى: )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ( [النور: ٣٠-٣١], وكذا النهي عن اللواط والسحاق ونحوه: )أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ( [الشعراء: 165]، )إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ( [المؤمنون: 6]،
فكيف بمن تجاوز ذلك من مجرد إطلاق البصر إلى المكالمات المحرمة واللقاءات والعلاقات المحرمة، ولا شك أن هذه الأمور تضعف العلاقة الجنسية بين الزوجين بل قد يلغيها تماماً مما يثير فيما بعد ذلك قضايا العنف الجنسي.
12-المشاركة الحسية والمعنوية فيما بينهما
وهذا الجانب مهم في تعزيز العلاقة الزوجية، وكثيراً ما يكون الجفاء وبقاء كل من الزوجين في عالمه الخاص بعيدا عن زوجه سبباً في العنف.
فيصبحان شخصان نعم يعيشان تحت سقف واحد لكن ما بينهما كما بين السماوات والأرض من شدة الجفاء والبون.
ليست هناك مشاركة حسية أو معنوية؟ بل قد يكون ما يربطهما فقط هؤلاء الأولاد .
ولا يطيق أحدهما الحديث مع الآخر، بل قد يدير الحوار الأولاد أو غيرهم.
الخادمة هي المشاركة الحسية للزوج، والسائق هو المشارك الحسي للزوجة.
والمشاركة المعنوية معدومة ! لا حديث ..لا حوار.. صمت قاتل..أو كلمة قاتلة.
نعم يعيشان معاً و لكن كأنهما يساقان سوقاً في هذه الحياة علها تمضي وتنتهي بأي صورة كانت، والمهم السلامة السلامة.
وحوار النبي مع أزوجه في سورة الأحزاب وتخييرهن بين الدنيا والآخرة، وكذا تربيتهن على كثير من القيم والسلوكيات، وجعل بيوتهن منارات للدعوة والقرآن الكريم هي صورة من صور المشاركة الحسية والمعنوية في الحياة الزوجية.
وكذا حوار النبي لزوجاته في سورة التحريم )وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ( [التحريم: 3].
وهذه صورة رائعة للمشاركة المعنوية فيما بين الزوجين.
وبالمشاركة الحسية والمعنوية فيما بين الزوجين تصلح كثير من الأمور الضرورية لاستقرار أنفسهما وصلاح شأن أولادهم.
13- ضبط مشاعر الغيرة والشك والبغض والكراهية
هذه المشاعر قد تحدث في الحياة الزوجية فتفسد الحياة فيما بين الزوجين، فيلجئان حين ذلك للعنف لينفسان عن نفسيهما. وقد عالج القرآن الكريم هذه المشاعر وهذب نفس الزوج والزوجة ليتجاوزا هذه المرحلة قال تعالى: )... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( [النساء: 19].
ولو تفكر كل من الزوجين أنه ليس هناك من هو كامل غير الله ، والنقص حاصل في نفسه قبل شريكه، وأيضاً نظر بعين الرضا للآخر لأحدث ذلك في نفسه رضا وقبولاً للآخر وزالت مشاعر البغض والكراهية، فإن كره خلقاً أو تصرفاً ارتضى آخر حتى تتحول هذه الكراهية حباً ومودة.
وبالنسبة للشك حد الله في تلك المشاعر البينة )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا( [الطلاق: 1]، وكذا ضبطه بالملاعنة كما في سورة النور فليس الداعي للشك وفقد الثقة الأوهام والظنون فالعلاقة أوثق من أن تهزها جملة من التخيلات والأقاويل.
وبالنسبة للغيرة فقد أمر الله الزوجين بالعفة وحفظ البصر وعدم مقاربة الزنا ونحو ذلك مما يثير الغيرة والشك، وإن حصل التعدد ألزم الزوج بالعدل، وكل هذه ضوابط لحفظ كيان العلاقة الزوجية والحد من ظاهرة العنف الشنيعة التي قد تحدث من مغبة ذلك.
وأخيراً ألا يقف الأزواج وقفة تدبر وتأمل مع قوله تعالى: ) هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ( [البقرة: 187].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق