الشريط


counter map
المظهر: نافذة الصورة. صور المظاهر بواسطة merrymoonmary. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع
تنشيط اخر المواضيع

تنشيط اخر المواضيع

الأحد، 2 يونيو 2013

الحرمة.. والحريم.. والجهل الحرام

الحرمة.. والحريم.. والجهل الحرام
منقولة / هاني خليفة ما كاد المحاضر ينهي إحدى العبارات في محاضرته، حتى هبّت إحدى النساء واقفة في منتصف القاعة، وهي تصرخ:
حرام عليك أيها المحاضر.. إنك تهين النساء.. ولا أسمح لك بهذا التطاول.
نظر إليها المحاضر مستغرباً، مقاطعتها بهذا الصراخ المفاجئ..
كانت المرأة في العقد الخامس من عمرها، سافرة متبرّجة، وضعت كمية ضخمة من الأصباغ، لتغطي التجاعيد التي ملأت ملامح وجهها كله، ووضعت على رأسها قبعة من الشعر المستعار، لتخفي شعرها الحقيقي الذي لا يعرف الناس عنه شيئاً.
سألها المحاضر، مبتسماً، بهدوء:
وكيف أهنتك أيتها السيّدة؟
قالت المرأة: ألم تقل في عبارتك التي نطقتها أخيراً قبل أن أقاطعك:
"إن المرأة حرمة، ينبغي أن تصان، وأن تُحفظ من عبث العابثين وأحابيل المغرضين والمفسدين"؟!
قال المحاضر ببساطة: بلى قلت هذا الكلام، لكن باختلاف بسيط، هو أنني قلت:
"إن للمرأة حرمة ينبغي أن تصان"، ولم أقل: "إن المرأة نفسها حرمة"، والفرق واضح من حيث اللغة، وإن كنت مقتنعاً بأن المرأة ذاتها حرمة يجب ألا تمسّ بأذى أو سوء..
قالت المرأة متحدية: أرأيت؟! إنها قناعتك التي لا تخفيها، رغم تلاعبك بالألفاظ.
قال المحاضر بهدوء: صحيح.. إنها قناعتي.. أنا مقتنع بأن المرأة حرمة، لكن ما علاقتك أنت بالأمر؟
قالت المرأة محتدّة: وتسأل عن علاقتي بالأمر أيضاً؟ غريب! ألا تراني امرأة أمامك؟
قال المحاضر: ببساطة.. إنّه خاصّ بالمرأة التي تُسرّ، أو ترضى بأن تكون حرمة، أو أن تكون لها حرمة.. أمّا المرأة التي تأبى هذا وذاك، فليست معنيّة بالموضوع أصلاً.
قالت المرأة بلهجة استفزازيّة:
حسناً.. كان عليك أيها المحترم، أن تصوغ كلماتك بدقّة، احتراماً للمنهج العلمي، وتعلن بداية أن كلامك عن "الحريم" و"الحرمات" خاص بطراز معيّن من النساء، لا بالنساء جميعاً، كيلا تهين المرأة التي ناضلت طويلاً، وما زالت تناضل ليل نهار لنيل حقوقها، والتخلص من تقاليد الماضي ورواسبه البالية.
قال المحاضر بهدوء، وهو يبتسم:
أعترف لك بأنني أخطأت، وأعلن اعتذاري أمام السادة الحاضرين، وأشهدهم جميعاً بأنني لم أقصد في كلامي عن "الحريم" و"الحرمات" هذه المرأة، ولا أياً من النساء اللاتي على شاكلتها، اللائي "يناضلن لنيل حقوقهن، والتخلص من تقاليد الماضي ورواسبه البالية.. وأنني إنّما أتحدّث في محاضرتي هذه، عن أمّي وزوجي وبناتي وأخواتي وعماتي وخالاتي وقريباتي جميعاً، اللاتي إن تعرّض لهنّ سفيه بأذىً، أو مسهّن ساقط بسوء، غلى الدم في عروقي ولقنته درساً بليغاً في الأدب، وفي كيفية احترام الآخرين، واحترام كراماتهم وأعراضهم.. ويدخل في دائرة محارمي سائر محارم المسلمين، بل سائر النساء اللاتي يحرصن ويحرص أهلهنّ على أن تكون لهنّ حرمة تصان من الأذى والسوء، وعلى أن يظلّ شرفهنّ محاطاً بسور منيع، لا تخترقه سهام العابثين، ولا نزوات الفاسدين والمنحرفين.. فهل أرضاك هذا الاعتذار أيتها السيّدة؟
قالت المرأة، وقد أصابتها الحيرة وارتبك تفكيرها:
ولكنك خلطت كلمات كثيرة، لا علاقة بينها، مثل: الكرامة، العرض، الشرف، الحرمة..!
قال المحاضر بهدوء: هل ترين حقاً أن هذه الكلمات لا علاقة فيما بينها، ولا رابط يربط بعضها ببعض؟
قالت المرأة مرتبكة: الحقيقة أنني لا أدري بالضبط، كل ما أعرفه أن كلمات من مثل: "حرمة وحريم.." ثقيلة على مسمعي ومزاجي، وأنفر منها نفوراً شديداً.
أمّا الكلمات الأخرى، مثل: "كرامة.. شرف.. عرض.." فأنا أحرص عليها حرصاً شديداً، وأعتزّ بها اعتزازاً كبيراً جدّاً.
قال المحاضر بهدوء وثقة:
حسناً أيتها السيدة.. أنا أعذرك إذا كنت تجهلين معنى كلمات مثل "حرمة.. حريم" التي تنفرين منها، وتجهلين العلاقة بينها وبين الكلمات الأخرى، التي تعتزين بها وتحرصين عليها.. فاسمعي إذن، هذه الكلمات، لعلّها تفيدك، أو تزيل من ذهنك وقلبك ما علق بهما، من إيحاءات سلبيّة، لكلمة" "حرمة.. حريم.." وما دار في فلكهما.
- وأحرَم َالرجل بفُلان: نزل في حَرَمِه، احتماءً به.
- وتحرَّم منه بحُرمة: تحمّى وتمنّع.
- وتحرّم فُلان بفلان: عاشره ومالحه، وتأكّدت الحُرمة بينهما.
- وحَرَم ُالرجل: ما يقاتل عنه ويحميه.
- والحُرمة: ما لا يحل ّ انتهاكه من ذمّة أو حقّ أو صحبة، أو نحو ذلك،
والمرأةُ، وحَرَم الرجل وأهلُه، والمهابة.
- الحريم: ما حُرِّم فلا يُنتهك.
- المحَّرم: ذو الحُرمة.
- المحْرَمة والمحرُمة: ما يَحرم انتهاكه من عهد أو ميثاق أو نحوهما. وزوجة الرجل وعياله، وما يحميه، جميعها: محارم.
فهل الكلمات الأخرى مثل "الشرف.. العرض.. الكرامة" بعيدة عن كلمات "الحرمة.. والحريم" ولا علاقة لها بها، أم هي مرتبطة بها ارتباطاً شديداً، لأن الشرف الذي لا حُرمة له لا يحميه أحد حتى صاحبه أو صاحبته، وكذلك العرض، والكرامة، والسمعة.. وما شابهها..؟! أجيبي أيتها السيّدة، إذا كانت قد اتضحت لك حقيقة الأمر.
قالت المرأة بلهجة فيها انكسار، وقد فارقتها نبرة التحدي:
أنا آسفة.. فقد كان ذهني محشواً، منذ الصغر، بإيحاءات سلبيّة منفرة، لكلمة "حرُمَ" وكل ما يدور في فلكها، والمرء عدوّ ما يجهل، فأنا أكرر أسفي واعتذاري للسيد المحاضر، وللسادة الحاضرين جميعاً.
قال المحاضر: دعيني أسألك سؤالاً يخصّك أنت شخصياً: هل تعتقدين، وأنت مثقفة ذات موقف فكري واجتماعي، تعتزين به وتدافعين عنه.. هل تعتقدين أن جهلك بمعاني الكلمات المتعلقة بموقفك هذا، نوع من الجهل المباح؟
قالت المرأة بعد صمت قصير:
بل إني أعتقد أنه نوع من الجهل الحرام، لمن كانت تملك موقفاً كموقفي، وتهتم بحقوق المرأة وقضاياها مثل اهتمامي
.... هاني خليفة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق