التوحـــد
أول من اكتشف التوحد هو طبيب
الأطفال النفسي " ليوكانر ", والذي يعرفه بأنه " اضطراب انفعالي
سلوكي شديد يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة قبل عمر عامين وستة أشهر ، وهذا هو أحد
أشكال ذهان الطفولة " , والذهان هو حالة شديدة من الاضطراب العقلي أو السلوكي
تتميز بعدم التوجه للزمن والمكان والأشخاص , ومشاعر غريبة مثل الهلاوس والمعتقدات
التي ليس لها أساس في الواقع مثل الهواجس , ويعد الفصام هو أحد أشكال الذهان .
وتعد السمة المسيطرة للسلوكيات اللفظية وغير اللفظية
الخاصة بالطفل التوحدي هي قلة الرغبة في الارتباط بالآخرين ومن بينهم الوالدين ,
وإذا كان الطفل الطبيعي يستمتع بالنظر لوجه الأم أو بسمتها فإن الطفل التوحدي يركز
عينيه علي قرط الأم وعندما تحمله الأم يكون متوترا وعندما تتركه وحيداً يكون
سعيداً .
ويفضل الطفل التوحدي العزلة عن التفاعل الاجتماعي , وأحد
مظاهر التوحد هو رغبة الطفل الشديدة في البقاء بمفرده مع الأشياء التي يجد أنها ممتعة
، ولا يشير إلي الأشياء الأخرى ، أو يطلب المساعدة من أحد ولا يريد أي شئ من الآخرين,
فيصبح هذا الطفل منغلق علي ذاته , وقد يقضي ساعات طويلة في وترتيب المكعبات مئات المرات في أحد أركان البيت
, وقد يضع الطفل يده علي الأرض ويتحرك مثل الثعبان , وفي الصباح يجلس ساعات طويلة
علي الأرض .
والقليل من الأطفال التوحديين
معرضين لإيذاء أنفسهم بشكل مستمر , فيضربون رؤوسهم في الحائط ويجذبون شعرهم
ويمضغون أصابعهم ويجرحون وجوههم بأظافرهم , ويتم وضع مثل هؤلاء الأطفال في
المؤسسات ويلبسونهم أشياء من الحديد في أيديهم مما يصعب عليهم حملها وبعضهم يتم
تقييده جسدياً لمنع الإيذاء الشديد للذات.
والطفل التوحدي يشعر بالاضطراب
نتيجة تغير روتينه , فهو يريد أن يبقي كل شئ كما هو وفي مكانه على مدار اليوم ،
وكل يوم , فعلى سبيل المثال ولو تحرك السرير من مكانه خطوة واحدة فإنه يشعر بالضيق
ولا يستقر حتى يعود مكانه مرة ثانية .
وتعد اضطرابات اللغة الشديدة هي السمة الأساسية للتوحد ,
وفي البداية يشك الوالدين في إصابة الطفل بالصمم لأنه لا يستجيب للأصوات أو الكلام
. ولكن الطفل التوحدي على الرغم من أنه لا يستجيب للكلام إلا أن يقلد الأصوات غير
البشرية , فالطفل الذي لا يستجيب عندما يدعوه أحد بصوت مرتفع ، قد يلتفت إلي صوت
السيارة ، هكذا سرعان ما يدرك الوالدين أن طفلهما ليس أصم , ولكنه يستجيب للضوضاء
والأصوات غير البشرية علي كلام البشر .
أغلب الأطفال التوحديين لا يتعلمون
اللغة بالمعدل الطبيعي , ولا يستخدمون ما يتعلمونه في التواصل مع الآخرين ,
ويتعلمون الكلمات بمعدل بطيء جداً , فالطفل التوحدي الذي يبلغ من العمر خمس سنوات
ينتج حوالي خمس وعشرون كلمة فقط ، وهذه الحصيلة أقل من حصيلة الطفل الطبيعي الذي
لا يزيد عمره عن سنتين . ويتعلم الطفل التوحدي الكلمات التي تشير إلي الأشياء
والمفاهيم والناس أو العلاقات البشرية , ويفضل الأسماء علي الأفعال , ومن السمات
الملحوظة في لغة الطفل التوحدي أنه يتعلم الكلمات الصعبة بطريقة أسهل من الكلمات
السهلة . فعلي سبيل المثال يستخدم كلمة " مثلث " ولا يستخدم كلمة " بابا ".
ومن الجدير بالذكر أن الطفل
التوحدي يتعلم الكلمات التي تعبر عن العاطفة ببطء شديد , وعندما يبدأ علاقة مع أحد
فإنه لا يستخدم كلمة الحب أو الكراهية أو يطلب أي شئ , وعندما يستخدم كلمة مثل
الخير والشر فإنها تكون بعيدة كل البعد عن العاطفة (Park,C.,1982). ويستخدم
الكلمات المكتسبة بشكل مقيد ، إذ نجده على سبيل المثال يستخدم الطفل كلمة "
باب " للإشارة إلي باب حجرته فقط ، أما باقي أبواب المنزل فلا تعد أبواب
بالنسبة له ؛ وبالتالي فإن الأوصاف التي يقدمها تكون مقصورة علي موقفه أو محيطه
فقط , بمعني آخر لا يعمم ما يتعلم علي كل المواقف المشابهة .
وأحد مشكلات اللغة المبكرة لدي الطفل التوحدي هي المصاداه
, وهو الكلام الذي ليس له معني , ويعتقد
بعض الخبراء أنه إذا كانت بعض استجابات المصاداه مجرد تقليد آلي فإن بعضها الآخر
محاولة من الطفل للتواصل (Prinzant,B.
1983) , ويحدث هذا عندما يشتمل الصوت
المردود علي كلمات تعتبر إجابة فعلية للطفل , فعندما تقول له الأم ماذا تفعل يرد
عليها قائلاً : ماذا تفعل يا سامح .
وأحد السمات التي تلاحظ في لغة
الطفل التوحدي هي قلب الضمائر , فالطفل التوحدي يشير إلي نفسه بالضمير " أنت
" ، ويشير إلي الآخرين بالضمير " أنا " , كما يلاحظ على الأطفال
التوحديين عدم قدرتهم على تعلم استخدام الضمائر بشكل صحيح حتى عمر السادسة , وفي
محاولة من الباحثين لمعرفة أسباب قلب الضمائر , يري البعض أن هذا نتيجة المصاداه
المستمرة , بينما لاحظ البعض الآخر أنه عندما تنخفض المصاداه يزداد استخدام
الضمائر بشكل صحيح (Schiff- Myers,N.
1983) .
ويتحدث الطفل التوحدي بشكل عام
بجمل بسيطة وقصيرة , ويميل لحذف العديد من السمات النحوية مثل حروف الجر ، وأدوات
الربط , ويكون من الصعب عليه تعلم الأفعال المساعدة المستمرة , كما أنه من الصعب
عليه معرفة التصريفات المورفولوجية مثل الجمع . ونظرًا لأن الطفل التوحدي يتعلم
العبارات ككل فإن الحدود الخاصة بالكلمات غير مفهومة , فعندما يتعلم عبارة مثل أنا
ذاهب إلي النادي فإنه يكررها دون أن يعرف متى يكون الذهاب للنادي . ومن
مظاهر لغة الطفل التوحدي أن تكون الجمل ذات ترتيب خاطئ , فقد يقول الطفل " الأرض
علي الكتاب " بدلاً من " الكتاب علي الأرض " , وعلاوة علي ذلك فإنه
يستخدم كلمات بدون خصائصها التركيبية , ومثل هذه الأخطاء من النادر حدوثها في لغة
الطفل الطبيعي أو المتخلف عقلياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق